السبت، 16 أغسطس 2014

المؤتمر النوبي الجامع

الرؤية...............................
الدعوة لمؤتمر نوبي جامع ..... ....
خمس خطواط ستقود الحلم النوبي لبر الامان .....


ان الدعوة لذاك المؤتمر الحلم ليس مستحيلا في ظل هذة الصحوة التي تهذ جسد النوبة الزي كان ينوم في ثباتة العميق وعلينا ان ننفخ في الصور نفخة واحدة لتستيقظ النوبة كلها ويحشرون ضحي وضحي هنا حيث تتضح الرؤية للجميع ليعرف الكل ان هذا الجمع ليس بسحر ساحر ولاحلم حالم ولا سراب انكسار علينا ان نضع الخطوط الحمراء في ليلة بيضاء لتوقيف كل الكارهين والمارقين والسارقين والفاتنين والحاقدين في حد الجد واظهار التاريخ المسروق والمخطوط حسب الهوي مع نكران الهوية والحضارة التي بنت وعلت فتركت من خلفا الاجيال الزي يهيمون حبا فيها ويزوبون عشقا بها 

............................... فخطوة لتحديد من المعني ومن الزي سيشهد ميلاد تلك اللحظة من مثقفاتية ومتعلمين كبارنا وصغارنا بكل اطيافنا من اقصي النوبة الي ادناها فقط نوبي ستكفل لك الحق علي ان تشهد ذاك الموقف العظيم


............................ خطوة ثانية تحديد الزمان والمكان المناسبين لزاك المحفل المقدس الزي ستتحدث عنة الاجيال كتاريخ ثابت ولن يترك لمحرف ومخرف ومخرب وواسع العقل ان يعبث بة كما تم العبث بتاريخ حضارة فسٌرقت ونُهبت حتي في عاداتها ومعتقداتها حتي في ابسط حروف لغتها
.......................... خطوة ثالثة تحديد المتحدثين ومحاور التحدث وشعار المؤتمر واهدافة فلاتترك شاردة ولاواردة لتخرج الجمع من لب الموضوع واستهداف الهدف الزي جمع الخلق
......................... خطوة رابعة تحديد بعض العقول النيرة التي ستتجمع وتفكر وتدبر وتخطط وتنسق وتعمل بجد واجتهاد دون كلل وممل علي ارساء دعايم التوحد والتكاتف والتواصل ان عشرون من الافراد شيبة وشباب من كل الاطياف المثقفة نساء ورجال سيشكلون النوة للنوبة سيشكلون الخطوة الاولي التي ستتحرك نحو الحلم وتحرك معها حضارة عشر الف سنة عشرون منهم القانونيون والاداريون والاطباء والمهندسين والاعلاميون عشرون فقط بفكارهم النيرة يمكنهم ان يكونو اللبنة التي ستبني للنوبة مجد جديد وتعيد لها مجدها المفقود سيضعو خططهم وافكارهم وافكار غيرهم قيد التحقيق والتنفيذ

.................... الخطوة الخامسة تعيين خمسة من كبار القوم كبرلمان بخبراتة في الحياة خمسة من الكبار للتوجية والاستشارة والمراقبة والتدقيق في ماسيفعلة العشرون ومافعلوة انجازهم ولو لزم الامر عليهم بجتثاث الاورام المسرطنة التي تقف عثرة في اعقابهم
........ ان الامر برمتة عبارة عن حلم يتكون من خمسة نقاط فهل هي مستحيلة او صعبة المنال...؟؟؟؟؟ اجتماع اهداف اختيارة مجلس عشريني او كما يراه الجمع اختيار مجلس شيوخ وكبار للتوجية والارشاد هم من سيتحدثو باسم النوبة والنوبيين وسيفعلو الكثير الكثير فقط الارداة العمل المثابرة الاصرار
(وعاشت الثوابت النوبية) علي قول قدوتنا و مفكرنا عبدة سليم

الجرجار مفردة نوبية

منشور بواسطة ‏عبده سليم · 14 أغسطس
................الجرجار مفردة نوبية
....................بــــــلا مــــتازع
....................كالاسكلى
......................والنو رج
......................والاودى
والذى ذهبوا الى حد الادعاء بمعرفة احاجى وسير واحافيير الماثر النوبية بعد ان ابتليت عصب الفكر بايحاءات مؤرخين مرتزقة ومتسولة على دهيليزات الاقوام لمتناحرة تحت الثرى لاثبات الذات, وجعلوا من حراك التاريخ معركة ذاتية ومن خطوط الجغرافية وثيقة على امتلاك وطن ومن احداثها ثوابتا لانتزاع هوية لاقزام بلا زمان ولا مكان ولا حدث..
مؤرخون سجلوا الاحداث وفق مشيئة ذات الانتماء وقوانين نسخت من الموجودات ما تلائم رؤياهم وتصورهم ووفق ما يهوونوما يرمون اليها
والغريب فى الامر والعجيب ان من النوبيين انفسهم هم من يؤمنون بمصداقية تلك المدونات ويرددون وفق ما جاءت بل ويروجون لها بدرجة اليقين حتى اصبحت الحضارة النوبية المتجسدة عناصر مكونات الارض وحراك الزمان وتداعيات الاحداث ذات الحضور زرعت حولها الشكوك واكثر المرددين لها هم اهل الشان /
ازعجنى ذهاب البعض من اهل الشان باليقين القاطع بان الجرجار ليس زى نوبى انما هو منقول اليه من ؟؟؟
عجبت لمن دق على هذا الو تر من اصل وعجبت اكثر من الراقصين.على ايقاعاته لان الجرجار ثقافة امة كرمت نساءها وكنداكاتها وميزتها عن نساء الاخريات من الامم الاخرى منذ الخليقة الاولى تحت سموات ــ لا نبى ــ ولا رسول ـ ولا كتابــ ـ ولا شرع ,, والى دنيا الشرع والكتب, السماوية , ورسل صلى الله عليم وسلم ,,,


كانت المراة النوبية,, وما زالت (افتراضا ) فيها ..وبها..ولها..وعليها ..الجرجار
فالجرجار النوبى مفردة نوبية ذات تفاصيل نوبية ماءة بالماءة ولها نفس قوة الايلولة للساقية/ والشادوف /والنورج/ والمحراث/ والجرجار المدرسة النوبية ذات الخصوصية النسووية الخاضعة لسلطة المراة النوبية بكل تفاصيلها التى تؤكد بانها تصميم نسووية متجسدة برؤيا وصياغة ثاقبة وتدبير نسائى دقيق تعبر فيها مكانتها لدى الرجل والهيمنة على اشياءاتها والسيطرة على مواقع الاثارة والفتنة وفق تأثير المواقع لدى الاخر.
ومدرسة الجرجار النوبى هى بقدر جم المراة النوبية ومكانتها على بنا ء الهيكل النوبى العام فى كل زمانه ومكانه وهو تمكين المراة على شئونها الخاصة وتكليفها بتطوير وتنظيم متطلباتها دون تدخل من الاخرين وبما ان المراة النوبية كانت لها خصوصياتها دون تدخل من الرجل كانت تتمتع بكثير من اشياء الزينة لها عليها بصمات المرأة النوبية وعلى سبيل المثال من لى بمجتمع سباق على المراة النوبية فى ادوات الزينة ,, الشفى ــ البرتاوىـــ الأرسِى ــ الارداوىــ الجتى ــ الشًرشًرــ الفشٌة ــ فرج الله ــ الى الخ..
الاودى/ القدم/ السالى/ الكفارى/ الاجوى( المشاطة)ةوالاوانى الزينة كالقوفادــ والاجل ــ والقدموس/ الخ
ولان ثقافة الجرجار ثقافة امة حفظت كرامتها ومن ضمن تلك الاوعية الحافظة .كان الجرجار ولانى على نقيض كل من يذهب الى غير ذلك قصدت توضيح ما يجب توضيحها عن ثوابت الجرجار وبقدر حوجة االموضوع اليها,, وهى::
جزئيات الجرجار ذات التفصيل النوبى العريق دون تدخل اى ميكانيكية خارجة عن الاطر النوبى اكرر واردد على يقين كامل لا احد شريك مع المراة النوبيةعلى الجرجار
وهذه هى تفاصيل جزئياته . باللغة النوبية فالياتنى ببراهينهم ان كانوا يملكون غير هذى,,


(1),,, قبًى
(2),,, أيــيًن أ ٍوُر
(3),,, كـنُدونُِ ا ًور
(4),,, اوقِـين كِيـتى
(5) ,,,جــرينٍ كيـتى
(6),,, كشًكا شً
(7) تون ا ٍلى
(8).. ُاوسُرٌ اًلًى
(9)...جيبًو
هذه هى الجزئيات المكونة للجرجارالنوبى والجرجار فى ذاته لوحة بيانية للمكتسية به وشاشات عرض للسيرة الذاتية يفهمها الآخرين دون السؤال عنها .. فالبنت المتزوجة لها ما يميزها ـــ وللبنت الغير متزوجة ايضا لها ما يميزها ــ للمرأة المرضعة لها ما يميزها ــ للارامل والمطلقات لهن ما يميزهن ــ ولكبار السن ايضا ما يميزهم, وهكذا يمثل الجرجار المجتمع النوبى وتتجسد المراة النوبية بل وتعلن عنها بلغة عارفين؟
اما اللون والصنف وبسط التفصيل فهو متروك للحضارة وللزمن ومحطاتها

والرغبات التى تخرج عن التفاصيل دون مس المضمون لا تنقص من قيمة الجرجار شيئا وفى قناعتى يمكن ان يكون الجرجار حلا سحريا لصراعات الزى وخاصة الخلافات حول النقاب... وان غدا لناظره قريب,,,
ونواصل
عاشت الثوابت النوبية

الخميس، 14 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (17) :

حكايات من الماضي البعيد (17) :
ما أقسي لحظات الوداع ، لقد حان وقت الفراق ، فراق القرية الصغيرة الهادئة (ويسي) ، وفي قبالتها جهة الشرق مناظر وبيوت وأشجار (ادن دان) التي كنا نرمقها كل صباح ، تماما كما يحدث في ارقين كلما ذهبنا إلي شاطئ النيل وننظر إلي جبل الصحابة واشكيت . عندما عدنا إلي منزل الخالة ، جمع حوائجنا وترتيبها ووداع أهل القرية صبيحة الغد ، كان شغلنا الشاغل بعد أن أخذوا فاطمة عائشة إلي شفخانة فرص . كنت واثقا بأنها ستعود وقد استردت عافيتها . داؤود جمعة مدير الشفخانة معروف بأنه رجل يجيد مهنته . يستطيع أن يشخص المرض ويحدد الدواء بسهولة . لقد جربتاه في ارقين . وبالمناسبة منزل أسرته في (أمبي) جنوب أشاون إركي مباشرة ، ويقضي الآن يقضي جزءا من خدمته في مجال تخصصه في فرص . هاج في نفسي شوق مكتوم ، أخيرا سأغادر إلي موطني (أرقين) بنفس الطريق الذي سلكناه للوصول إلي هنا عبر نقطة الحدود . بدأت أرسم في مخيلتي أهم ملامح قرية (ويسي) للذكري ، لا يعلم الغيب ألا الله ، فقد لا أزورها مرة أخري ، وبينما كنت أسبح في خيالي ، قفز إلي ذهني صورة الصبي رمضان الذي شغلني بقصص الغرام ومرض العشق الذي يعاني منه . ولكن أين أجعله في تسلسل درجات الذكرى في مخيلتي وبأي حال ؟ سؤال انطوي علي قيم ومفاهيم أخلاقية تتجاذبها الوفاء للعلاقة التي نمت وتطورت بيننا علي مر الأيام التي قضيتها هنا ، وبين ما ذكرته الخالة بأنه يجلس مع الكبار ويستمع إلي أحاديثهم التي لا تليق بأعمارنا . حزّ في نفسي أن يكون صديقي مثار جدل صامت في دواخلي . ثم يعود الضمير ليناطح فكرى ويوحي بأن العشق والحب ما كان يوما من المحرمات ، إنما المحرمات أن تنتهك حرمات الناس في حضورهم وغيابهم . لست أدري أي من هذه المعتقدات أصح حالا ؟ ما جئت بها من أرقين ، أم ثقافة العشق الحديدة التي حطم بها رمضان أسواري وقلاعي واستطاع أن يفرضها علي عقلي رغم أنف إرادتي بسحر بيانه وببلاغة منطقه ؟ أخيرا وصلت إلي حل وسط . سأبحث عنه غدا صباحا وأودعه علي كل حال ، هذا ما يفرضه الواجب ، أما أفكاره وقصص عشقه فسوف تحال إلي مكتبة الذكريات لأنني لن أقابله مرة أخري ولن يجد سبيلا ليسمعني الجديد من أخباره . هذه هي سنة الحياة ، لقيا ثم فراق ، ورغم شيوع المثل الشعبي ( الحيّ بلاقي) لا أعتقد أنني سأعود إلي (ويسي) يوما ما .
(أين حب الخروع ) ، انتبهت من سرحاني وخيالاتي بهذا السؤال الموجه من الوالدة للخالة وقد اقتحم مسامعي وكأنه كان موجها لي أنا شخصيا . فأجابتها ، في كورية بالقرب من القسيب . والقسيب إناء يصنع من الطين في حجم البرميل ، يخزن فيه ثمار التمر أو القمح وله غطاء مثبت من الطين ، وفتحة في أسفله يسمح بتدفق الحبوب . أما حب الخروع فيوضع ويمسح به سطح دوكة الطين الساخنة عندما تكون جديدة ، وهذه العملية بمثابة تليين لسطحها ليكون ناعم الملمس لا تلتصق به الكابيدة فتتمزق ، وبالنوبية يقال لها (قاوى) . بعد قليل استنشقت رائحة قراصة القمح تفوح من المطبخ ايذانا بقرب تناول وجبة العشاء ، ليس لجوع كنت أعانيه ، وانما لنأوى إلي النوم بعد العشاء انتظارا للصباح حيث موعدنا مع رحلة العودة الي موطننا أرقين . ونواصل إنشاء الله

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

حلفا بين الخديعة والكذب

....حلفا بعد مروم نصف قرن من الزمان
....................بيــن خديعة
...............جمـــال عبـد الـــناصــر
.....................و كــذ بـة
..................ابــــراهـــــيم عبــــود
( الجزء الاول )

حلفا بعد نصف قرن من الزمان من خديعة جمال وكذبة عبود

وبعد مضئ نصف قرن من انصهار وطن وقيام بلد وتمزيق امة وتركيب كيان وتفتيت قومية وتدمير ثوابت وتجريد هوية وتذويب ثقافة .
بعد مضئ نصف قرن ياترى ماهي حصيلة الوطن الذي استقطع من ارضه وعرضه جزء اصيل ؟ وماهو العائد لتلك القومية التي خلفت ورائها ارضها وعرضها ومفرداتها وثوابتها ؟ ياترى ماذا فعلت الايام والسنين لتلك القومية وماهو البعد الاجتماعي والثقافي والحضاري لبلد قامت خلف الكواليس وشيدت فوق اطلال ارض طمست معالمها من على وجه الارض ليس تلكم بهزة ارضية ولا بحمم بركانية ولا بجراء سيول طبيعية انما كان ذلك الدمار بفعل فاعل وخلفيات تاريخية .

بعدمضئ نصف قرن ماهي النظرة الشمولية لقومية دمرت ممتلكاتها وهجرت قسرا لمنطقة فرضت عليها ؟

بعد مضئ نصف قرن ماهو المنتظر من قومية ذات ارث وثوابت وثقافة ذات جذور عميقة هل المنتظر منها الانصهار باوعية الاخرين ام الاقدام والحفاظ والثبات بكيانها والتمسك بهذا الجزء من الارض المركب كوطن ابدي لها؟وماهي مواقف الاجيال من تداعيات الهجرة والاختناقات الاجتماعية والصراعات القبلية التي تداهمها بين وقت واخر ؟وماهي مواقفها من مفرداتها الايلة للسقوط ومن خطابها الاجتماعي الذي تاثر كثيرا بعوامل الهجرات المستهدفة والانهيارات الاقتصادية المفتعلة والحصار الاجتماعي المبطن والتهميش السياسي الموجه ؟
بعد مضئ نصف قرن ماهي مواقف الانظمة المتعاقبة لمقاليد الحكم بالبلاد منذ عام 1964 سوا اكانت تلك الحكومات عسكرية ام وطنية ام جهوية وباي المعايير تتعامل تلك الحكومات مع مقتضيات منطقة فرضت عليها ايواء قومية مجروحة سلبت منها ارضها وعرضها باسم الوطن الكبير ؟
وبعد مضئ نصف قرن ياترى هل منطقة خشم القربة هي المنطقة المناسبة وباي الاعتبارات اخذ ذلك الخيار ؟افلم تكون هنالك توصيات عالمية بعدم صلاحية منطقة خشم القربة لحياة الانسان والحيوان معا ؟ولماذا فضلت منطقة خشم القربة بالذات برغم وجود مناطق اخرى وجدت قبول اهل الوجع .
بعد مضئ نصف قرن ماهي الدوافع التي دفعت الحكومة السودانية التخلي عن منطقة جزمت بانها اكثر المناطق امتلاكا لثوابت الهوية السودانية وبرغم مايبطنها من كنوز وثروة قومية لاتقدر بثمن ؟هل كانت الدوافع لمعادلات اقتصادية ام لاعتبارات سياسية ام القصد منها بناء استراتيجية اجتماعية لاعادة رسم الخارطة الجغرافية والبشرية لتحويل مسار التاريخ والغاء مالا تلزم من الارض والبشر.

عبدة سليم .......

الاثنين، 11 أغسطس 2014

..............امــــر غــر يــب و الله
....................ــــــــــــــــــــــ
وقفت كثيرا مترددا .. ولم تبق فى جرابى من نصائح الا نصيحة واحدة لاصلاح الواقع النوبى المذرى وضبط النفس فيه . والتنفس . والعودة بها الى ما كان عليه الحال .وفى اسوء الاحوال الحفاظ على ما هو عليها من ارضية , و واقع الحال ..
نظرت الى يسار ى فوجدته مشلولا حتى المرفق وتوجة يميننا واذا اليمين هو الاخر مسلولة الرئتين ميئوس الحال فنظرت لذات القوم فاذا هو ايضا كحبة الفاصوليا بقدر طباخ ماهر متفرقة عن بعضها طاعمة لآكليها وهكذا اصبحت انا فى ساحة المجتمع النوبى بلا ثانى لى منذ ان وضحت راس التنين ..وانا كالشحاذ اطرق ابواب النوبيين بابا تلو با ب علنى اجد على صاحب يرى ما اراه .....ويا للعجب العجاب ان الاحذية المشئومةعلى كل الرؤوس وبلا استثناء وفق مسميات عدة ما عرفت منها سوا انهم ابناء عظماء . احفاد ابطال .. ووراث ملك وثوابت ..الخ ووابنا ء اجداد كانوا صناديد ..ولابد منهم من صمود.. وكانوا صبورين ولابد منهم الصبر على المصائب.. وكانوا عباقرة وعلينا اذ .. العبقرية فى فنون الاستسلام..وفى مثالية التنازل.. وعفوية والتهميش..والى .. الاخ..
الى ان ضاق الحال عن القوم ولا عاد لهم مكانا لتقوقع ..لاتاحت فرصة لتمدد الشر المتأبط بين الجفن والعين واخوته اللائى ذادن شرورا ...
واصحاب الوجع الذين اذدادوا وجعا ..وحسرة..وألما ...
امرهم محير بل وغريب ....امام اعينهم تتطاير حمم النيرا ن ...تتلاطم امواج السيول ..وعلى اسماعهم صرصرت العواصف . ودوى الرعود .بوابل الامطار تمطر الاهة والانات .. سمواتهم دخان وسراب: ..الاخطار محدقت عليهم من كل صوب والبلاد اصبحت ماوى لعموم الكائنات الضارة تحت مظلات التهميش .والنزاعات الاهلية ..والحروب القبلية المدسوسة تحت الاظافر ..وهم يجرجرون اذيالهم المذلولة ويتثاقلون بارجلهم المنهوكة فوق ومض هذه الحرائق خلف قيادات سلبت الانانية عن قلوبهم نخوة الرجال واعمى الجشع فى نفوسهم حقوق الانتماء.. واماتت الولاءات العقيمة فى دواخلهم الشموخ والكبرياء واصبحو ا
لايرون... ولا يسمعون .. ولا...يشعرون...وانا لله وانا اليه راجعون ..
والسؤال؟
لاهلنا الطيبن.. لماذا هذا التواضع ..لماذا هذا الانقياد..لماذا لايكون هنالك رفض لتلك القيادات المريضة المتآكلة لماذا لايتم تبديلها .. بقيادات اخرى مسئولة .. لماذا لايتم اسقاطها ..وان دعت الظروف اسقاط هوية الانتماء عنهم ..
نحن لا علينا تثقيفهم فى اصول الانتماء والدفاع عن الحقوق..و حفاظ على الثوابت ..بل علينا اسقاط الهوية وسحب حقوق الانتماء منهم ..
ونواصل انشاء الله
.......................عبده سليم حجه
...........................ارقين كبرى

من دبيرة الي ارقين

...................من الارشيف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
............................مــن دبـــــيـرة
..............................ا لـــى
........................ا ر قــــــــــــــيـن

دبيرة حرف نضالى مؤكد فى قاموس اللغة النوبية وهى ركن من اركان المآثر الموثوقة على مدارج الصرح النوبى وارتكاز سموء فعال على فضاءات الحضور النوبى العتيق .ولم تكن تداعياتها عتبة مدخل او اسم كان على جرف نيل وارفة كمن المفهوم انما كانت دبيرة صرح من صروح ذات بصمات ووشم منحوت ومحبرة ودواء وريشة كتب بسنتها ذلك التاريخ التليد وذاك العتيق وهذا القريب وامسه الذى كانت لدبيرة القدح المعلى والحقيقة الموضوعية المنحوتة على جبين القومية النوبية عزة..وكرامة . وسنة اولى على قاموس النهضة النوبية التى توجت به نضالات وادى حلفا ضد الطغاة المعاصرين كانت دبيرة العقد الفريد لتلك المرحلة العصيبةالتى كانت فيها دبيرة الساحة الوراقة والواحة البراقة . وحروف الكلمة المستوحاة كالسكين,,كالمدفع ,, ويجب على الجميع احتراها وتبجيلها بل وتقديسها ,,,

وارقين بصراطها وهاماتها وقاماتها تسكب حليب الود والاخاء بين شفتيى الوطن درعا وسدا لوطن فيه سموات دبيرة مجوهرة بنجوم لامعة وكواكب سيارة ونيازك ترصد للاعداء ,.وكرامات لم تنضب وقامات لم تكل وهامات لم تمل من ارقين لك لك قديستى يا دبيرة ولآل ,,,,,؟
ولآل(ظرافة)( ولآل ازهرى)( ولال الشيخ)(وآل الحج كاش)(وال ,دونا)( وال تيلكاك)( وال ابوالريش)
(وال عبد الغفور)(وعثمناب)( وال ولياب)(بركية)(ال صيام)(ال شاهين)(وال احمد مصطفى)(ال المفتش)(وال طه ايوب (ال جاسر)(ال مهدى)(ال ابيض)(ال ابوزيد)(ال ابالزيد)(ال طنون)(البابياب)
(ال طموش)(حجار )(ال عبده ليمون )ولالى والاخوة والاصحاب من ارقين القبولا الازلى والابدى والتضامن لغد موعود خلاق لكل اهل دبيرة ولانى كنت الرابط بين الحراك المنظم ما بين ارقين ودبيرة لمعراضة الحكم العسكرى والموصلة لتوجهات المنطقتين وخاصة عند تنظيم المظاهرات المناهضة للهجرة .. لصغر سنى فى ذلك الوقت من عام (1960) كانت التكلفة تصدر لى بواسطة خالى المرحوم المناضل البطل حسن على قسوم الماركسى التوجه ,
والى اللقاء ,,

...............عبده سليم حجه
.................ارقين الكبرى

(.مـــحـــى الـــد يــن د و جـــة)

.........................اتــكاء ة على ازقــة الـطـفو لـة
شاهد وليس بمؤرخ.. حاضر وليس بسامع.. متشبع وليس بملقن.. وجدانى المصدر . عفوى السرد .مجازى الموقع, مواقف بلا عنوان, احداث بلا تاريخ.. ثوابت بلا سجل..
انها ازير شبل من عرين اسود كانوا ..ملوكا,,
نسخ على عصب الحواس الخمسة ابداعات المبدعين وشموخ الشامخون ..لله دركم
...........................يا اسود الديار ....
.............اســــــــــــد الــــد ا ر صــانـــع الاجــيـال

.....................

.........................الظاهرة التى لن تتكرر
فى البحر.. فى البر.,فى الطفولة فى الصبا فى الشباب وفى الكهولة فى البيت وفى الشارع فى الغفوة وفى الصحوة.محى الدين دوجة وفى يده اليمنى عصا لمن عصى وفى يده اليسرى حلوى محمولة على نبرات وداعه تفوح منها الطيبة الممتنع والمحبة المجتبى وهمهمة مثل غضبته مجلجلة تشدها عضلات قلبه الجامع بين..بينه محبة الجميع والمستنشق حب الجميع له محى الدين دوجه يحيه الجميع بلا استثناء ويخافه الجميع دون تحفظ .يستبشرون به الجميع ويطيعونه الجميع هو الداخل فى البيوت بلا (شرو) ومن دون استئذان والخارج منها باستحسان الجميع ,هو الخفير .والمراقب. والمدير .والجند ,والقاضى والسجن .والسجان ..وهو القلم .والورق, الكتاب.والمدرسة...
محى الدين دوجة هو الطورية .والازمة., والاربر آليات حفر المقبرة . وشبر النهد وهندسته (وآجر .وصلى ) محى الدين دوجة هو حبات العرق المسكوب على النعش,والعطر العبق والنية الصادقة لوداع الراحل وهو العنوان الصريح وعلى مستوى ارقين لاخر المدفون واوله ورقمه وتاريخه وهوالفال الحسن لاهل المتوفين محى الدين دوجه سر كتوم يعيش تحت الاجفان وهبة السماء لاهل طيبون بالفطرة ..
ولم يقف حاله بدفن الوفيات ..بل ..وهو.. الراية المرفوعة على سموات ارقين وسمؤها والقبسات المتلأ لئة والمزركشة بزغاريد الفرح والمخضوبة بكل طقوسه (من مرحلة الاختيار العريس للعروسة..). والى الموافقة ....( الفرقر) الخطوبة /كان لمحى الدين راى مؤثر لدى الجانبيين اذٍ..محى الدين كان الفاتح باب العرس والمشى, .وكل العرس والعنوان العريض منذ يومه الاول محى الدين دوجة هو خنجرالذبيح.. والساطور.وهو العارف مدرجات كمكم الذبيحة وانثناءات المصارين, وموقع (الإتى) الصفراء( والآديمون) ومن اين تؤكل الكتف.والكمشة.والغراف. حلة القيزان .والصوانى والصحون محى الدين دوجة هو الطاهى بلا منافس. والمدبر بلا معارض. والدرويش الذى فى يده البركة .والمليون آكل ..اكله ..بإذن الله .وحامى حمى (اركيقوا اريق كبكو) محى الدين دوجه هو الفرح اليقين وعنوانه وطقوسه وهو المقترح..والمثنى,صاحب السيناريو والمخرج والمنفذ لابجديات الافراح من الفها وحتى ياءها ..


وله جوانب لابد من ذكرها ..اطال الله عمره ..ولانه لا يعرف المؤخرة ولا من هواة الانتظار له فى وجدانياتة الف مهنة ومهنة وهى شخصية متعددة المهن له ملكات الملائكة على يديه الممدودتان يقطن البركة والاتقان لا مستحيل عنده فى البحر سباق لا مثيل له....فى البر مغوار لا نديد له .. فى الخير مقدام لا منافس له.ومن هنا ولا افش سرا ان قلت ان محى الدين كان من امهر صانعى آلة (الطار)من اختيار جلد الماعز والى الاعداد ووفق متطلبا ت الايقاع وهنالك طرائف كثيرة بينه وبين العازفين لنذكرها عند حينها ولخصوصية موقعه الذى لا يجاوزللحضور كان على شلته تقديمه دائما ليكتسبوا استقبال الجمهور لهم بزغرودة النساء وتصفيق الرجال والهرج والمرج الذى كان يعطى لساحة الرقيص نوعا خاصا من البهجة والسرور ..
سيد آشه ــ محمد آشه ــ عبده آشه.. هم كانوا فنانى الساحة دائما والاصدقاء الدائمون له وللعم سيد عاشه ـ والخال محمد آشة الف تحية ومن الله ارجو ان يدثرهم بالصحة والعافية ولاهليهما التحية والاحترام للعم محى الدين دوجة ..هو معلم الاجيال بلا منافس وهو القدوة الحسنة والفال المبارك وقلب ذات اتجاه واحد
وهو حب الاخرين والتحدث عن مثل هذا الصرح الفسيح من اصعب الاشياء .اخاف على ان اظلمه لان الذى اعرف عنه هو قدر ضئيل فى وقت هنالك خفايا بين ثنايا ابناء جيله او تلكم الصفوة الذين كانو ادمات جلده وظلال ظله مثل العم سيد على جباره:ــ احمد يوسف ــ سيد على سليمة ــ حسن حجه ــ احمد سبيكه ـ عبده صفره ــ محجوب هانم اغا ــ عوض صالح ـ مصطفى حوشة ــ حسن كاده ـ عبده ابراهيم ـ عبده دهب شيبون ـلاستاذ سيد جاهين ـ متعهم الله بالصحة والعافية
وللاتكاءة بقية ,,,,,وارجو عدم مآخذتى ان كان هنالك من خطأ والله يعلم القصد
مع الف تحية للعم الـــهــالة مــحـى الــد يـن احـمــد مــحمــد (د وجة):
وللحديث بقية
واتمنى ان يكون التوفيق قد حلفنى
والى اللقاء انشاء الله
عبده سليم حجه
ارقين الكبرى

حكايات من الماضي البعيد (16) :

حكايات من الماضي البعيد (16) :
في مساء يوم عدنا من المرعي ، كان حديثي انطباعيا عن الصبي رمضان والذي أحسب أنه كان يوما خالدا في ذاكرتي . ( أوعك ثاني أشوفك مع الولد دا ، ولا أشوفك بتلعب معاه ) !!! قالتها خالتي موجهة تحذيرها لي بنبرة نوبية حادة فظة لدرجة أزعجتني هذه الجملة . لماذا يا خالة ؟ سألتها منتظرا الإجابة في لهفة وترقب ممزوجين بشفقة وخوف يعتريني من عواقب إجابتها علي سؤالي . ردت عليّ قائلة : الولد دا أكبر منك سنا ، ودائما يجلس مع الكبار ويتحدث بكلام لا يليق بصبيان في سنكم ، فأصبت بالدهشة لأن إجابتها الواضحة والصريحة جاءت وكأنها كانت معنا أو استمعت لمقالة رمضان عن الحب والعشق في ظل الشجرة البعيدة عن القرية . لكنني حمدت الله كثيرا عندما اكتشفت أن سبب انزعاج الخالة أن صديقي رمضان يتحدث بكلام الكبار ، وهنا أدركت سر بلاغه رمضان في الحديث وبراعته في التعبير ، لكنني وفي نفس الوقت استحضرت زجر الكبار لنا أحيانا عندما نقترب من مجالسهم في ظلال النخيل ، واكتشفت أن سر زجرهم أو بالأحرى منعنا من الجلوس معهم أو قريبا منهم كان مرده أن الأحاديث التي يخوضون فيها لا ينبغي علينا أن نسمعها لأنها لا تتوافق مع أعمارنا ، ويعد ذلك نوعا من التربية . في تلك اللحظات كانت والدتي تغسل بعض الأواني المنزلية بالقرب من المطبخ وهي تستمع للحوار الدائر بيني وبين خالتي ، فقالت موجهة حديثها للخالة : هو دا ذاتو مقصرّ ، في إشارة إلي فصاحتي وبداهتي في الحديث . في هذه اللحظة سمعت طرقا بالباب ، وأسرعت بفتح الباب الخشبي الكبير وهو يحدث صريرا (صوت احتكاك الأخشاب مع بعضها من ثقلها ) . فوجدت الطارقة امرأة وقد اندفعت إلي داخل البيت بسرعة غير أبهة بمن فتح لها الباب وقالت لخالتي : فاطمة عائشة أراب تعبانه والناس متلمين هنالك . انزعجت الخالة والوالدة لهذا النبأ فلبسن الجرجار بسرعة وحملت خالتي طفلتها وأغلقت الباب ثم نزعت المفتاح الخشبي ودفنته في الرمال قريبا من عتبة الباب ، وأسرعن في المشي وهن يرددن يا الله أستر ، سترك يا رب . فاطمة عائشة أراب ، وهذا لقبها هي تلك المرأة التي سألتني في وقت سابق عن السنة الدراسية التي أدرس بها وعن أسماء رئيسي مصر والسودان وتربطنا بها صلة رحم .

وصلنا بيت فاطمة عائشة ، ووجدناها تتألم وتصدر أنينا لا ينقطع وحولها عدد كبير من النسوة كلهن يرتدين الجرجار الأسود . شد ما أزعجني واثأر في نفسي الشفقة أنني عندما رايتها تحثوا التراب بيدها علي بطنها في مكان الألم ، داهمتني شفقة شديدة وحزن دفين خرج من أعماقي لتوه ليفتح لي بابا ما كنت أحسب أنني سأضطر لفتحه يوما ما بعد رحيل جدتي عن الدنيا قبل سنوات مضت . كم كان منظرا مؤلما وكل الحضور ينتظرون حولها دون حديث حتى بهمسة . أين الطبيب ؟ أين المساعد الطبي ؟ لماذا لا تأخذونها للمستشفي ؟ فنظرن اليّ مليا ، واقتربت إحداهن مني قائلة لي ، أصمت ، علاجنا هنا علاج بلدي ، لا نعرف الطبيب ولا التطبيب ومرضها شيء عادي ولسوف تنشط إذا كان لها في العمر بقية . قالتها هذه المرأة وكم تألمت لقولها الخشن الفظ . وعلمت بعد ذلك أنها قابلة القرية ولها باع طويل في العلاج البلدي الذي يسمي في وقتنا الحاضر (الطب البديل) . كنت في غاية السرور عندما أحضروا حمارا لحملها إلي فرس لعلاجها في الشفخانة ، ولكنهن كن متشائمات من الحمار ، ويقولون أن الذي يقع من ظهر الحمار تتكسر عظامه بينما من يقع عن ظهر البعير لا يصيبه أذي ، ولا أدري حقيقة ذلك ولكنها قولة مشهورة ومتواترة بين النوبيين . قامت بعض النسوة برفع فاطمة عائشة من الأرض بمساعدة الرجال ، ورفعوها فوق سرج الحمار ثم توجهوا بها صوب الحدود قاصدين شفخانة (فرس) والرجال يسندونها وبعض النسوة يسرن في الخلف . أما نحن فقد عدنا إلي بيت خالتنا إلي أن تعود فاطمة عائشة من الشفخانة متعافية . ونواصل إنشاء الله
سيد ابكر..............

حكايات من الماضي البعيد (15) :

حكايات من الماضي البعيد (15) :
بشريات الوالدة التي سكبتها في أذني بأننا سنعود إلي موطننا في أرقين ، لم تعد تهمتي كثيرا . كلما مرّ بنا يوم في هذه القرية الصغيرة الهادئة ، كانت علاقاتي تتوثق أكثر فأكثر مع الصبي المدعو رمضان لدرجة أنه كان يصارحني بكل أسراره دون وجل . كنا أطفالا بحكم أعمارنا وحجم أجسادنا ، ولكننا كنا كبارا بأفكارنا ومداركنا . كنا نتعلم من الطبيعة حقيقة الأشياء والكائنات استنباطا . ونقتبس من كبارنا كرائم الخصال
والأخلاق بالمشاهدة والتقليد . ونختزن الحكم والعبر من أحاجي جداتنا وأمهاتنا . ثم بعد ذلك يأتي دور معلمينا ومدارسنا لتصقيل معارفنا ومفاهيمنا وقيمنا التي ورثناها أو اقتبسناها لتصقلها لنا المدرسة ومدرسينا بالوسائل العلمية الأكثر تطورا في زماننا . كل ما تعلمتاه بالسجية كانت تترسخ في عقولنا عندما نقارنها بمختلف العلوم المكتسبة من المدرسة خصوصا أثناء حصص الدين ، عندما يشرح لنا الأساتذة آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية . كان المعلم نفسه ، يجد منا التقدير لدرجة الخوف . فإذا سلكنا طريقا ووجدنا أستاذنا يسير في نفس الطريق كنا نترك الشارع لنسلك طريقا آخر . وإذا حضر الأساتذة مناسبة فرح وزواج في بيوتنا كنا نختفي عن أنظارهم إجلالا واحتراما لمقاماتهم السامقة . كانت هذه هي معتقداتي التي حملتها بين جوانحي عندما وصلت إلي قرية (ويسي) لزيارة خالتنا في النوبة المصرية شمال (فرس) . كانت الأيام في ويسي تسير بنا الهوينا الي أن تعرفت بهذا الصبي المدعو رمضان الذي سلب لبي وعقلي بمعارفه وثقافته الغزيرة . توالي الأيام كانت كفيلة بمعالجة وكشف الكثير من الأمور ، بعضها أعرفها وبعضها أجهلها تماما . ذات يوم ونحن نتجاذب أطراف الحديث في ظل شجرة عند أطراف القرية ، طلب رمضان من بقية الصبية أن يقوموا بسوق الأغنام إلي المنطقة القريبة منا حتى تكون قيد المراقبة . وتلك لم تكن حجته ولكنه أراد بذلك أن يصرف الصبية ليبوح لي بسر ظل يكتمه في صدره ثم أقبل اليّ بكلياته قائلا ، أخي أنا متيم بفتاة في هذه القرية ومغرم بها إلي حد العشق فماذا ترى في أمري ؟ نزلت عليّ كلماته مثل صاعقة مرسلة ، اهتز لها كياني وتشتت أفكاري وتمزق وجداني من هول ما صرّح به . تظاهرت بالهدوء وثبات جناني وقلت له : كيف تقول ذلك وهي ابنة قريتك والأولي بك أن تصونها بدلا من عشقها . فرد عليّ قائلا ، العشق ليس حراما أيها الأرقيني المسكين ، إنما هو شعور ينبع من قلب إلي آخر ويظل مشتركا بين شخصين ، وأنا لم أقابلها ولم أتحدث معها ، لكنني أتصنع المشاوير إلي جيرانها ، وأمر أمام منزلها ، وأتصور وأتحين المناسبات لأراها ، وانتظر خروجها لورود الماء في النهر عند الأصيل ، وأحمل في جيبي حفنة من تراب أقدامها أضعها في صدري عندما آوي إلي فراشي في الليل . لأول مرة استسلم للهزيمة أمام هذا العبقريّ وأزداد إعجابي به وبقدراته التعبيرية وهو في ذلك العمر المبكر . قلت له : أين تعلمت كل هذا الفن من الحديث ، ومن ساعدك فيه ؟ أجابني بلغة بليغة (الدنيا بتهينك والزمان يوريك ، وقل المال يفرقك من بنات واديك) ، وأضاف قائلا : عش للحب وإن لم تعرفه أسال عنه أهله ، وعندما تعود إلي بلدتك أرقين تذكر ما قلته لك ، أما أنا فلسوف تسمع عني كل ما يسرك في حياتك أيها الصديق . ما أن انتهي هذا الصبي العبقريّ من حديثه حتى انكمشت علي نفسي خجلا من قدري أمام هذا الصبي العملاق وأقسمت أن أكون مثله واقتدي به ، وبعدما عدت إلي أرقين حال بيننا الهجرة المشئومة ولم اسمع عنه شيئا ولا دريت ماذا فعلت به الأيام منذ لقائنا ذاك إلي يومنا هذا . ونواصل إنشاء الله
سيد ابكر ........
حكايات من الماضي البعيد (14) :
كنت مشدوها بحكاوي رمضان ، ومعلوماته الثرة عن القرى والبلدات النوبية في الأراضي المصرية ، وكان الحديث ينساب من فيّه وكأنه شلالات ماء منهمر . في تلك اللحظة مرت بنا باخرة ركاب بيضاء اللون متجه شمالا ومكتوب في أعلي سطحها اسم (هكسوس) . استرعي انتباهي هذا الاسم الذي لم يكن معهودا لدينا نحن الأطفال كنا نجرى لضفة النهر كلما مرت بضفافنا باخرة ركاب شمالا أو جنوبا بين وادي حلفا والشلال ، وأحيانا لم نكن نفارق ضفة النيل ، ونظل نجلس تحت ظلال النخيل أو أشجار السنط وأغنامنا ترعي علي نباتات السعدة وترتوى من مياه النيل ، وأحيانا كنا نمارس السباحة ونصطاد الأسماك ونساعد ذوينا عند زراعتهم لأراضي الجروف . عندما تمر بنا البواخر ، كان من العادة أ ن يلوّح لنا ركابها بالأيدي في رواحهم وعند عودتهم من مصر . انتهزت مرور الباخرة (هكسوس) وأردت أن استعرض لرمضان ورفاقه بعض معلوماتي عن (كنيات) البواخر السودانية العاملة بين حلفا والشلال فشرعت أذكرها : الباخرة المريخ ، وعطارد ‘ وقطبي ، والثريا ، لكنه سارع بتلقيني درسا آخر بذكر البواخر المصرية ، كرسكو ، الأقصر وهكسوس ، وبواخر أخرى كانت تسمي (دلتا) مخصصة لنقل البضائع ، وأخرى كانت مخصصة لنقل المواشي بين السودان ومصر ، وكان معلوما لدينا أن الأخيرة كانت سريعة تثير الأمواج العالية عند إبحارها شمالا أو جنوبا ولذلك كانوا يستخدمونها لإخراج جثمامين الغرقى .
أما المراكب الشراعية ، لم أرها طيلة أيام وجودي معهم إلا نادرا ، ذلك لأن هذه المنطقة كانت الرياح الشمالية هي السائدة فيها والتي تساعد المراكب علي الإبحار جنوبا ، بينما كانت (ويسي وأدندان) تشكلان آخر القرى في حدود مصر مع السودان ، ولذلك فهم في حاجة للإبحار شمالا عكس الرياح ، وأحيانا تنعدم الرياح كليا مما يضطرهم إلي جرّ اللبان ( طيّ شراع المركب وشخص أو شخصان يجران المركب بربط الحبال في وسط الجسم ويسيران علي الشاطئ حتى الجهة المقصودة ) . أما في وقت الفيضان (الدميرة) فيزداد تيار النهر شمالا مع كثرة الدوامات التي كانت تسمي باللغة النوبية (شيمة) ، وهي ظاهرة غريبة ومخيفة في نفس الوقت تدور فيها المياه حول نفسها بسرعة شديدة في مكان واحد مهددة المراكب الشراعية . أما مسارالنهر في المنطقة التي كنا فيها وتضم (ويسي) و(بلانه) و(أدندان) بالشرق , كان النهر يتخذ مسارا يتجه إلي الشمال الشرقي ، وطبيعة الأرض في هذه المناطق كانت سهلية بتكويناتها الرملية الكثيفة وتشكل امتدادا طبيعيا لقرى فرس شرق وغرب السودانية .


سألت رمضان ، في أي سنة دراسية هو ؟ فأجابني قائلا : في خامسة ابتدائي ، سألته مستغربا ما معني ابتدائي ؟ فضحكوا جميعا وقالوا ماذا تسمونها عندكم ؟ قلت لهم نسميها الأولية . قالوا ، هنا ندرس ستة سنوات في الإبتدائي ثم نمتحن للمرحلة الإعدادية . فأدركت أن نظام التعليم المصري يختلف عن نظامنا التعليمي فقمنا من تحت الشجرة الظليلة وقد اكتسبت معارف جديدة لم تكن تخطر ببالي . سرنا علي ضفة النهر فصادفتني نبتة كنا نسميها بالنوبية (تنوم) وباللغة العربية تسمي (الدمسيس) ، فملت عليها وقطفت شيئا قليلا من أوراقها الشبيهة بشجرة الطماطم ووجهت لهم سؤالا ، أتعلمون فيم تستخدم هذه النبتة ، فضحكوا جميعا وهم يرددون : لا يستخدم في شيء . قلت لهم ، وقد شعرت هذه المرة بأنني أصبحت سيد الموقف والمبادرة بيدي ، هذه النبتة تعالج أمراض كثيرة في الجسم وأمراض البطن بصفة خاصة وأهمها مرض (الدوسنتاريا) . فوقفوا مشدوهين غير مصدقين ، فقلت لهم أسألوا عنها كباركم وسوف تعلمون حقيقة ما فلته لكم ، وبعدها بقليل انتصف النهار وعدنا بأغنامنا للقرية . ونواصل إنشاء الله

سيد ابكر .............
حكايات من الماضي البعيد (13) :
الإحساس بالغربة في بلاد النوبيين يعتريك في الوهلة الأولي ، وبعد التحية والسلام والسؤال عن الحال والأحوال يزول ذلك الشعور تلقائيا ، وتجد نفسك وقد أصبحت واحدا منهم في القرية أو في الحيّ السكني . طمأنتني والدتي بأننا لن نذهب إلي ابوسمبل لزيارة الخالة شفوقة لأن والدي في حاجة إلينا في ارقين . فهو رجل يكسب رزقه بعرق جبينه رزق اليوم باليوم من خلال ما يجده من عائدات المركب ويقتسمها مع صاحبها . في الأيام التي يقل فيها عمل المركب بسبب كساد سوق المحاصيل التي تنقل للمدينة ، يعمل والدي في قطع أشجار الأثل أو السنط ويشققها بعد أن تجف وينقلها لأصحاب المخابز في المدينة ، لذلك فهو يحتاج إلي من يساعده بالماء والزاد والشاي في مكان عمله ، وأنا ذلك الولد الذي يحمل له كل هذه الأشياء عندما يكون مشغولا في المناطق البعيدة من المنزل .

في ذلك الصباح استأذنت والدتي لمرافقة صبايا القرية في رحلات رعي الأغنام ، وبعد شراب شاي الصباح انتظرت حتى جاءوا لسوق أغنام خالتي فاصطحبتهم وهم مسرورين بتلك الرفقة . رمضان ، كان أكبر المجموعة سنا ، بادر بالتعرف بي عن قرب وحكي لي أن والده يعمل في مصر مثل سائر النوبيين ويسكن في (بولاق الدكرور) ، ما عرفت معني بولاق الدكرور ولكنه فسرها لي بأنها حي من أحياء القاهرة في مصر تقطنها الطبقات الفقيرة من السكان خصوصا النوبيين الذين يعملون هناك . عندما سمعت منه هذه المعلومات تذكرت بعض أهلنا من أرقين في مصر يسكن أكثرهم في عابدين حسب ما كنت أسمع أثناء ونساتهم عندما يحضرون في إجازاتهم السنوية ، وخطر لي بأن ناس أرقين يسكنون الأحياء الراقية بالمقارنة مع بولاق الدكرور . وصلنا إلي مكان المرعي ولم نشعر بالمسافة ولا بصوت الأغنام والمعيز اثناء سيرنا لأن رمضان شغلني بأحاديثه الشيقة عن مصر التي زارها مرارا لرؤية والده . جلسنا ومعنا بقية الصبيان الذين كانوا يحدقون في وجهي تحت شجرة ظليلة بينما تركنا الأغنام والمعيز ترعي لوحدها ، ومن حديثه وجدته يحفظ القرى والبلدات من (ويسي) إلي أسوان عن ظهر قلب ، فانتهزتها فرصة لأتعرف علي أبو سمبل من صبي خبير بالمنطقة ، فطفق يحكي لنا وأنا متعجب من كثرة معلوماته فقال : من هنا وشرقنا أدندان نبدأ شمالا ، وصار يعدد لي : ويسي بالغرب وادندان بالشرق ، قسطل وبلانة وابو سمبل وأرمنا وقد نطقها (أرمندا) ، وتوشكي شرق وغرب ، ومصمص والشباك والجنينة ، عنيبة وابريم والجزيرة ، وقتة وعافية وتوماس ، وتنقالة والدر ، الديوان وأبو حنضل ، الريقة وكرسكو شرق وغرب ، ووادي العرب إلي أن وصل بي أبو هور وكلابشة ودهميت ودابود وأسوان . أزداد إعجابي برمضان لمعرفته بكل هذه القرى والبلدات وغيرها ولم يتجاوز عمره العشرة سنوات وكان يكبرني بسنتين أو ثلاثة سنوات فقط ، ولكنه حقيقة ظل مثار إعجابي لزمان طويل وكنت أتذكره بجلبابه الأخضر المخطط ولونه القمحي حتى بعد عودتنا إلي أرقين بزمان . ونواصل إنشاء الله
سيد ابكر................
حكايات من الماضي البعيد (12) :
صرخة الوالدة في وجهي في تلك الليلة أعادتني إلي رشدي وانتزعتني من أحلام الطفولة الناعمة إلي خشونة الشاب الناضج المشبّع بالمسئولية الكاملة تجاه تفاصيل الحياة برمتها ، شرها وخيرها . ما كان لي أن أطاوع نفسي وأتمادى في أسئلتي السخيفة عن الخالة التي ظهرت لمخيلتي فجأة ودون مقدمات . لكنني مع كل تلك الأحاسيس والمشاعر الفظة ، شعرت وكأنني استفدت من التجربة واستوعبتها فورا وأدخلتها في قواميس حياتي واكتشفت أن الحساسية المفرطة التي اكتسحت جوانحي مثل طوفان النيل في بلادي قد تكون مضرة لي في مستقبل أيامي . ولقد اكتشفت في مراحل متقدمة أن الحساسية المفرطة تجلب للمرء الحياء المبالغ فيه حتى في الأشياء العادية التي تقابل الإنسان في رحلة الحياة مما يجعله انطوائيا رغما عن أنف طبعه . وبينما كان ضوء القمر ينساب إلي فناء البيت ، وعلي جرائد النخلة الوحيدة التي تتأرجح مع النسيم في وسط الحوش ، ابتعدت بسريري بعيد عن الوالدة والخالة وطفلتها ، لأنني كنت في حاجة إلي الاختلاء بنفسي للتفكر في هذه القضايا التي أرّقتني .
أويت إلي سريري في تلك الليلة وأنا أفكر في الرحلة الإجبارية إلي أبو سمبل ، من أين تبدأ وأين تنتهي ؟ وكيف هي ؟ وكيف الوصول إليها ، بالمراكب الشراعية أم بالباخرة . مجموعة من الأسئلة اختزنتها إلي حين يصبح الصباح ، وقد قررت مسبقا أن أرافق صبيان القرية في مشاوير رعي الأغنام علني اغرف منهم الكثير من الإجابة علي هذه التساؤلات . في الصباح نهضت باكرا علي غير العادة ، ووجدت مزاجي علي غير ما كان عليه في الليل وتبخرت أفكاري عن المسئولية وعن الحساسية مع الظلام عندما انفلق الصباح ، وأيقنت أنها كانت خواطر لردود فعل عابرة كان ينبغي أن أتعامل معها ببساطة بدلا من الانسياق وراء خيالات لم تكن واقعية ، وشعرت أنني ظلمت والدتي بظني أنها باتت تكرهني . خرجت من البيت لأواري خجلي ، وجلست في مسطبة البيت انتظارا لصبيان القرية لأذهب معهم إلي المراعي علني بذلك أنسي بعض غبائي وأخفف ثقل تأنيب الضمير الذي يكاد يقتلع جذوري من الأرض . وفجأة سمعت صوت الوالدة وهي علي عتبة الباب تناديني مستفسرة عن سبب جلوسي في الخارج ، ولم أقو علي إجابتها وقمت من مكاني إلي حيث تقف فوضعت يدها علي رأسي تمسح بها شعر رأسي وأنا أكاد أزرف الدموع من فرط إحساسي بحنانها ، وقالت لي هامسة لن نذهب إلي أبو سمبل ، سوف اعتذر لأختي زينب إن والدك ينتظرنا في أرقين وفي حاجة ماسة إلي وجودنا معه . ونواصل انشاء الله.

..سيد ابكر ..........
حكايات من الماضي البعيد (11) :
بعد قضاء جل اليوم في الغيط كما يقال للحقل هنا في النوبة المصرية ، عدنا إلي بيت خالتنا في منتصف النهار ، وأجلس الآن في فناء البيت بالقرب من النخلة الوحيدة والوقت ما بعد صلاة المغرب . الرملة ا لمفروشة في الحوش يختلف لونها عن الرمال البيضاء التي نراها في أطراف الصحراء في بلاد النوبة . عادة ما تجدد رملة الحوش وتليّس حوائط المنزل وجدران الغرف من جديد عندما تقترب المناسبات السعيدة كالأفراح ، أو عند عودة رب الأسرة من مقر عمله في مصر في إجازته السنوية . الخالة والوالدة كانتا في المطبخ ( ديوي شا ) يعدان وجبة العشاء علي ضوء البُكُّول (*) ورائحة العدس تفوح في الحوش . جاءت الخالة وهي تحمل في يدها لمبة زجاجية صغيرة كان يسمونها (السهارة) فوضعتها بالقرب مني ثم قالت : ( أقنتو دنيا شوشيان أنقري أوكا تيقوس ) ، هكذا نصحتني الخالة ، بمعني الدنيا مشوشة ن أيّ يوجد هواء يحرك الهوام مثل العقارب وغيرها ، لذلك أجلس علي السرير . والسرير الذي تعنيه الخالة مصنوع من أخشاب طولية يسمي (المريق) وخشبتين عرضيتين اقل طولا من الأخريات . وفي الأخشاب الطولية توجد مجاري عرضها بوصة واحدة يرص فيها جريد النخل بطريقة بديعة بعد تشذيبها بدلا عن الحبال . 

في النوبة ، أنسب وقت يتجاذب فيه الناس أطراف الحديث هو ، أثناء جلسة تناول الطعام . تبيّنت يومها أن كثيرا ما الأشياء تحدث علي غير ما نتوقعها ، وبدون أن تكون لنا أدني فكرة عنها ، وعندما تقع مثل هذه الأحداث نسميها المفاجأة ، والمفاجأة قد تكون سعيدة وقد تكون محزنة . كنت قد نويت في سري أن نستأذن الخالة في الرحيل والعودة إلي ارقين التي أوحشتني طيلة بقائي هنا في (ويسي) . وبدون مقدمات وجهت الخالة حديثها للوالدة ، إن زوجها عابدون قد علم بوجودنا هنا ويستفسر إن كان والدي بإمكانه أن يقيل عرضا للعمل في مصر لأنه وجد له خانة عمل في القاهرة . فأجابت الوالدة بأن ابن خالة والدي محمد صالح الذي يعيش مع أسرته في مصر سبق أن جاءه في البيت لاصطحابه معه ، إلا أنه رفض قائلا : إنني خلقت لأجل أرقين ورفض العرض ولذلك لا أعتقد أنه سيقبل عرضا جديدا . قالت الخالة إنشاء الله لما تعودوا شاوريه مرة أخرى وأفيدونا بالرد ، فأجابتها الوالدة وهي غير مقتنعة إنشاء الله .
عندما سمعت ذلك الحوار بينهن ، كبر والدي في نظري ، لأنه وقبل ذلك رفض الحياة في البندر في بيوت والده بمدينة عطبرة حيّ المربعات شارع كسلا ، رفض حياة الترف والعيش هناك مع أ خوانه وأخواته من الزوجة الثانية لأبيه وهو في الثامنة من عمره ، وأصرّ علي العودة إلي أرقين مسقط رأسه مع والدته ليعيش كل عمره وسط نخيل جده من والدته في (أشاون إركي) . انتهزت تلك الفرصة الذهبية وقلت لأمي ، يو يو ، ألا يكفي ما قضيناها من أيام مع الخالة ، الم يحن وقت عودتنا لأرقين ؟ فانتهرتني الخالة قائلة : أنت كرهتنا ومتى جئت لتعود . قلت لها ، لا يا خالة والله ما كرهتكم بل أعجبت بالحياة عندكم لكنني مشتاق للأصدقاء والصحاب وأيام المدرسة . قالت ، أولا ، أنت وأمك وأنا ، سوف نتحرك بعد يومين إلي أبو سمبل لزيارة أختنا شفوقة ، ولكي لا تصاب بالملل سوف أحدث لك أولاد القرية ليتعرفوا بك ويصاحبوك طيلة ما أنت معنا في (ويسي) . أصبت بالذهول حينما سمعت تلك الكلمات ، أولا لقد فوجئت تماما بوجود خالة أخري أسمها شفوقة تعيش في مكان أبعد من المكان الذي نقيم فيه الآن ، ثانيا ، لأنني وضعت نفسي في موقف حرج عندما أحسست بأن الخالة تعتقد أنني عاجز عن إقامة علاقات مع من هم في سني في قريتهم ، لقد جرحت هذه الكلمة كبريائي لأنني من أشقي الأولاد في أرقين ، والأمر لم يكن كما اعتقدت الخالة بمثل ذلك السوء ، ولكنني فضلت عدم التعرف عليهم باعتبار أن مدتنا لن تطول إلي هذا الحد . ولكي استجمع بعض كرامتي المهدرة ، أردت الالتفاف حول الموضوع متصنّعا ومتسائلا من هي شفوقة ، وأين تقع أبو سميبل ؟ نجحت خطتي عندما ردت الخالة ، خالتك شفوقة صادق ، عندك خالة ثانية اسمها شفوقة صادق ، وأبو سمبل ليست بعيدة من هنا وطالما وصلتم ويسي ، ينبغي ألا تعودوا الا بعد زيارتها وتكملوا الجميل . أردت التمادي أكثر ، فقلت لها ولماذا لا تأتي هي إلي (ويسي) ، فصرخت الوالدة في وجهي صرخة مزقت سكون الليل قائلة لي ، اسكت يا لميض . ونواصل أنشاء الله
(*) البكول علبة أي علبة يلحّم غطاؤها وتثبت في منتصفها ماسورة صغيرة من نفس المعدن ويوضع فيها شريط من القماش بعد ملء العلبة بالكيروسين ، ويشعل الشريط للإنارة .

..سيد ابكر ..........
حكايات من الماضي البعيد (10) :
بدت لي هذه القرية وكأنها معمل صغير يمارس فيها كل التقاليد والعادات النوبية الخاصة بكل بلاد النوبة شمالها وجنوبها . لم اشعر بفارق كبير في أسلوب الحياة هنا في (ويسي) ، فهو نفس الأسلوب الذي يمارس في ارقين وغيرها من القرى النوبية كما ثبت لي فيما بعد . لا أريد إن أتحدث عن وحدة الثقافة والتاريخ النوبي فهذه قضايا مسلم بها ، لكن رحلتي كانت كرحلة مكتشف صغير محدود المعرفة أراد أن يطور معارفه بالتجربة العملية . 

يصبح الصباح وتدور عجلات الحياة ويذوب الجميع في أتونها : من تربال يحمل أغراضه ويتجه نحو الجروف صوب النهر ، ومعيز وضأن تصيح بأعلى صوتها لتجمع أولادها إلي جوارها وهي تسير إلي المراعي أمام صبيان القرية ، وبهائم صغيرة لا تقوى علي السير أبقوها في منازلهم إلي حين عودة أمهاتها من المرعي قبيل منتصف النهار ، ونساء اجتمعن أمام بيوتهن تحت ظلال الأشجار يمارسن صناعة بعض المصنوعات التقليدية التراثية ، وأخريات انشغلن بحياكة الملابس بعضها جديدة وأخري مزقتها أشواك وأفرع الأشجار يقمن بإصلاحها . في ذلك الصباح اصطحبت الخالة والوالدة لزيارة الجروف ورؤية زراعتها والوقوف علي مدى كدها وجهدها في أعمال الزراعة التي كنت أجيدها عندما أذهب بالفطور والشاي إلي حيث يقوم والدي بعزق الأرض اللينة المخلوطة بالطين والرمال . تحتاج ضربة الفأس علي الأرض وإحداث حفر متراصة لدفن البذور فيها بدءا من (القيف) والي حيث وقف انحسار ماء النهر خبرة كافية كنت قد تشربت بعضها . اقتربنا من الزراعة ، وتفوح رائحة النباتات الخضراء بكل أنواعها عندما نمر بها وتصطدم أوراقها لتبلل أرجلنا بالندي . وصلنا إلي زراعة الخالة ، وبدأنا باللوبيا التي كانت ما تزال صغيرة ، وسمعتها تقول للوالدة (كجرا بتي ) ، وكجرا بتي كما استنتجت معناها في ذلك اليوم مرحلة من مراحل نمو النبات بعد أن تخرج من جوف الأرض . ثم مررنا علي مخلفات نباتات القمح والتي بقيت في مكانها بعد حصاده ، بعضها ربطتها الخالة في شكل حزم وأخرى لم يتم جمعها بعد علي شاكلة الحزم . وبينما انهمكت الوالدة والخالة في ربطها جاءت بعض النسوة من الجوار يساعدنهن في جمعها وربطها وهن يتحدثن في مختلف القضايا كعادة نساء النوبة . شعرت بأن المدة التي قضيتها في هذه القرية كافية بعد أن أتممنا زيارة الخالة ويلزمنا الرجوع إلي أهلنا في أرقين التي افتقدت فيها أصحابي وأقراني وراودني الحنين إليهم والي نخيلنا وكل شيء في ديارنا ، وربما فاتحت الوالدة في العودة إلي أرقين في الليل عندما نجتمع في فناء الحوش الكبير في منزل الخالة .ونواصل انشاء الله
حكايات من الماضي البعيد (9) :
احتج شيخ أحمد بعد انتهائه من سرد حكايته مع زوجته الفلاحية علي تاخر طعام العشاء . انتفض الخال صادق واقفا وهو يردد العشاء جاهز كنا ننتظر عودة الشيوخ من الجامع . تقدم الخال نحو باب المنزل ، وبعد أن تخطي بضع خطوات دعاني لمساعدته . حملت جردل مياه الشرب والكيزان إلي البروش ثم عدت مقفلا إلي داخل فناء المنزل الذي أشاهده لأول مرة . فناء كبير من الداخل مثل سائر منازل النوبيين ، ولكن كان عليّ أن أتجاوز الدهليز والمندرة قبل أن يقع بصري علي بقية الغرف المبنية مع السور والمطلة أبوابها إلي الفناء الداخلي (الحوش) . لا ادرى أي مهندس هو الذي صمم منازل النوبيين بهذه الكيفية ، منزل الخال مثل منزل الخالة ومثل منزلنا في ارقين وسائر المنازل الأخري في النوبا في شكله وتصميمه . حملت أواني الغسيل النحاسية أبريق كبير ومعه حوض مصنوع من نفس المعدن النحاسي مثل ذلك الذي نشاهده في محلات الأناتيك . أحضرنا صينية الأكل مغطاة بطبق أشبه بالطباق التي تصنعها أمي تحت شجرة الأثل مع صديقتها هانم جليقة . طبق ملون تبينت ألوانه بسهولة في الظلام لخبرتي التي اكتسبتها من خلال ملاحظة أطباق الوالدة التي تضعها في جوال (خيش) وتعلقها علي الحائط . تنحنح الجماعة ، والنحنة صوت يحدثه الناس وهي اشارة رضاء أو لجذب الانتباه إلي شيء ما . زحف كل منهم من مكانه في البروش إلي حيث وضع الطعام في المنتصف . شاهدت ثلاثة كلاب لا أدري من أين جاءت وقد افترشت الرملة من حولنا باسطة أيديها للأمام وهي تحرك أذنابها لتعلن عن وجودها . 

عندما رفعوا الطبق ، فوجئت بوجود خبز (بلدي) مع باقي الطعام كان يسمونه (البتاو) خبز مصنوع من عجين القمح وخشن الملمس وأكبر من الخبز العادى الذي يصنع في المخابز . من العادة أننا لا نتناول الخبز إلا في المدينة . أما في قرانا فإن مخابزنا كانت دوكة الطين الملساء لعواسة القراصة وكسرة القمح الرهيفة (صلابية) . من أين جاء الخال بالرغيف ؟ في هذه المرة قررت أن المجازفة بسؤال عن مصدر الخبز وفي هذه المرة دون حياء كما كنت افعل في المواقف السابقة . لقد تذكرت في تلك اللحظة نصيحة استأذنا سيد علي إبراهيم مهدى بالتعرف علي أي شيء ، وتذكرت حديثه بأنه كان يستفسر عن كل شيء لإدراك حقيقة الأشياء ، وأنه كان يذهب إلي محطة السكة حديد ويسأل العمال عن مختلف الآلات والأدوات وحتى عن الصنافور وعجلة تغيير خطوط السكة الحديد إثناء المناورة ليعرف وظيفة كل آلة . استجمعت قواي الأدبية وشعرت بالسؤال يصعد إلي حلقي ثم يعود ليختفي مرة أخري في صدرى ، وتمنيت لو أن أحدهم تبرع بالإجابة قبل أن أوجه سؤالي مكرها . وأخيرا قررت وسألت وأنا أتلعثم ، يا خال الرغيف ده يصنع محليا ؟ فكانت الإجابة جماعية من جميع الحضور ، نعم عندنا أفران بلدية في البيوت ، أنتو ما عندكم في أرقين . أجبت بكل صدق ، لا ولكني شاهدت هذه الأفران في بيوت الفلاحين في الجزر القريبة منا . ولقد قررت في نفسي أن أطلب من خالتي أن تعلم والدتي كيف يصنع الخبز البلدى وكيف يشيد الفرن من الطين . وبينما كنا منهمكين في تناول الطعام أحدث كلب صوتا أثناء عراك خفيف مع كلب آخر . في هذه اللحظة وجه شيخ حسن حديثه لشيخ أحمد أجدع لقمة للكلاب يا شيخ أحمد . فرد شيخ أحمد سريعا ، أنت قدامك بليلة ؟ فضحك الجميع حتى فرغوا من تناول وجبة الطعام استعدادا لجلسة ما بعد الطعام مع الشاي السادة . نواصل

..سيد ابكر ..........
حكايات من الماضي البعيد (8) :

عاد الجماعة من صلاة العشاء وبرفقتهم شيخنا إمام المسجد . ألقوا علينا السلام سنة الإسلام، ردينا عليهم السلام، ثم اتجه الإمام نحوي وسلم عليّ وهو يبتسم في ، ولقد تبينت خلال ذقنه خلو فكه الأعلى من بعض الأسنان في واجهة الفم . بادر شيخ أحمد بالاعتذار بأنه لم يتمكن من المجئ إلي الجامع بسبب الألم في ركبتيه . رد عليه شيخ حسن قائلا : أنت المشيته شويه ؟ رد شيخ أحمد هاتفا حسبنا الله ونعم الوكيل صلي علي النبي يا راجل ، وضحك الجميع لأن شيخ أحمد خاف من العين رغم عمره الكبير . بدأ الخال في تعريف الجماعة بشخصي قائلا لهم ، هذا الصغير ابن أختي جاءوا لزيارتنا من السودان . استفسر الإمام من وين في السودان ، أنت يا صادق عندك أهل هناك ونحن ما عارفين . رد الخال، كلكم عندكم أهل وأقرباء هناك ، ثم أردف قائلا : ابن أختي جاء مع أمه من أرقين لزيارتنا . رحب الجميع بزيارتنا لقريتهم ، ثم بدءوا يسألونني عن ارقين وبعض أهل ارقين وعن الحال والوضع عموما ، وعلق شيخ حسن بان ارقين مشهورة وكلنا إن لم نزرها نعرفها . رد عليه شيخ أحمد ، وين شفتها ، طول عمرك طافش في مصر وجيت قريب ترتاح هنا معانا في القرية . رد شيخ حسن ، ما أنت العلمتنا الشغل في مصر . عليك الله يا شيخ احمد كده أحكي قصتك مع المرأة الفلاحية عملت معك شنو بعدما تجوزتها . شيخ أحمد قال ، يا راجل ما تخلي العيوب مستورة . عندما سمعت هذا الحوار الساخن بين الرجلين ، تمنيت لو أنه سرد الحكاية بتفاصيلها ، ولقد كدت أصرخ يا شيخ أحمد عليك الله تحكيها ، لكنني راجعت نفسي واستحييت لصغر سني وبلعت أفكاري في جوفي منتظرا ما سينجم من حوار الرجلين .
اعتدل شيخ أحمد في جلسته ، وقال : كنت أعمل في قصر الملك فاروق راضيا مرضيا ، تجرى الريال المجيدي والجنيه في يدى جريان الماء علي الجدول لتستقر في جيوبي . كثر مالي فاشتريت عقارا يسترني من إيجارات الشقق ، وسكنت فيه ، ومضت الأيام لصالحي فاشتريت بيتا آخر من أربعة طوابق وأصبحت من أصحاب الأملاك في أمبابة . كل هذا الخير والنعيم وزوجتي ابنة عمي هنا في البلد تحش الكشرنيق وتعوس الكابيدة لتتغذى وتغذي أطفالها . كبرت تطلعاتي فتقدمت لفتاة أصولها من الفلاحين وسرعان ما وافقوا علي تزويجي بدون تاخير . عشنا في المنزل الذي اشتريته وأنجبت معها ولدا وبنتا . كانت أم الزوجة تقيم معنا ، وكلما أحضر من العمل وبيدى أكياس الفاكهة والفراخ تغني لي وتالف القصائد لتمجدني بها . استغفر الله ، كبر العيال والتحق الولد والبنت بالجامعات ، ثم دارت بنا الدوائر بعد انقلاب محمد نجيب وجمال عبد الناصر ونفي الملك فاروق إلي الخارج . أوقفنا من العمل وصرت عاطلا ، غير أن إيجار العمارة كانت تستر حالنا . شعرت بأن أم زوجتي أصبحت تكرهني وترجو رحيلي ، وكل مرة كانت تقول لي يا شخ ما تروح البلد وشوف عيالك ، وأقول لها نعم حاضر . ذهبت إلي بعض سماسرة العقارات وبعت المنزل والعمارة ثم حولت المبلغ للبلد ، وطلبت من المشترين إمهالي في البيت لمدة شهرين . ذات يوم ودعتهم قائلا : أروح البلد علشان أشوف أولادي وارجع لكم . فقالت أم زوجتي ، لا ترجع ليه ارتاح هناك ما أنت خلاص كبرت. سافرت وركبت الباخرة وجئت إلي أم أولادي ، وبعد شهر ذهبت المرأة الكبيرة لاستلام إيجار العمارة وصدمت عندما علمت إنني بعتها قبل سفرى . أرادت أن تستكفي بالمنزل ، وفي الشهر الثاني جاءهم المشتري وأخرجهم من البيت . أم زوجتي أرسلت لي خطابا مع المعارف تقول فيه : لم نكن نتوقع منك ما فعلته علي الأقل في حق أولادك . رديت عليها البادئ اظلم ونحن مش مغفلين عشان تستكرتونا يا حلب ، فضحك الجميع من لباقة تصرفه . ثم التفت شيخ أحمد إلي الخال قائلا : العشاء فين يا صادق . ونواصل .
حكايات من الماضي البعيد (7) :
بعد مغيب الشمس ، كان من العادة أن تستنشق روائح الإدام المنبعثة من بيوت أهل القرية في النوبة ، والي جانبه رائحة روث البهائم المحترق أسفل دوكة الطين لعواسة (الكابيدة) . هنالك فارق كبير بين كابيدة دوكة الطين وكابيدة دوكة الحديد (الصاج) . كابيدة دوكة الطين لها مسامات كثيرة ، وعند وضع الإدام أو الملاح ، فان الكابيدة تمتص الملاح ، وعندما نتناولها لنأكلها نجدها هشة مشبعة تماما مما يجعلها لذيذة الطعم والمذاق ، خاصة عندما تكون بالعسل والسمن البلدي أو بالمش أو باللبن الرايب .خالنا في بالحساب صادق محمد ، قدم لوالدتي دعوة لتناول طعام العشاء في منزله العامر . وحقيقة كنت معجبا بالخال لأنه كان هميما ونشيطا يهتم بإبله ويسوقها كل صباح الي الخلوات البعيدة حيث اشجار السنط وغيرها مما يفضلها الأبل في غذائه . ولم يكن يجلس مثل بقية رجال القرية في ظلال البيوت وقت الضحي . لذلك كنت معحبا به ونالت دعوته الإستحسان مني لكي أعرففه عن كثب . والعزومة لا تكون للضيفة وحدها ، بل حتى الجيران القريبين يشاركون في جلسة الطعام وما بعدها . بعد صلاة المغرب تحركنا ووالدتي والخالة إلي منزل صادق محمد الذي يبعد عنا بحوالي نصف كيلو متر تقريبا . النبي نوح عليه السلام ، عبارة قالتها والدتي عند بداية تحركنا ، وهي عبارة تقال لتحاشي العقارب والثعابين إثناء السير ليلا . كنت أسرع منهم في السير لخفة جسدى ولصغر سني ، خالتي تناديني ( هوي ويلد ، أفشك واهينقي) ، وتعني ، يا ولد خلي بالك من الحشرات الضارة . مررنا أمام الكثير من منازل القرية لنصل الي المكان المقصود ، وكلهم يدعوننا ( فضلوجنا ن أول مرة لنناني تر اسكتي إدن داري إند كريي) ، والكلام موجه للخالة ومعناها اتفضلوا معانا لأن الضيفة دي أول مرة لها تأتي الي هنا ( القرية) . وتعتذر لهم خالتي بأننا مدعوون في مكان آخر ، ثم تطيب خواطرهم بكلمات الإطراء والشكر .
وصلنا المنزل ووجدنا الخال وبعض جيرانه يفترشون بروش كبيرة خارج المنزل . بعد التحية والمجاملة وبطبيعة الحال جلست مع الرجال، وعلي بعد أمتار منا جلست النساء بنفس الطريقة. خالنا وزوجته الطيبة استقبلونا استقبالا يليق بالمسافة التي قطعناها من أرقين حتى وصلنا إلي قريتهم خلف الحدود . في مثل هذه الجلسات تتجدد مواضيع (الونسة) لأنها تكون من وحي المناسبة وليست مواضع عادية يعرفها الجميع ، بل كل واحد ينحت عقله ليخرج الجديد المثير لكسب المستمعين وانتباههم لحكاويه . نادى المؤذن لصلاة العشاء . حاج أحمد قال الليلة ما بقدر أمشي الجامع الرطوبة قايمة عليّ . شيخ جسن يقول له ناصحا ، أحسن الجامع وكل خطوة عندك بها أجر . وكادت أن تقع مشادة بين الرجلين في مسائل فقهية . ويحسمها الخال صادق قائلا : خلاص امشوا صلوا وتعالوا انا بصلي مع حاج أحمد وبعد الصلاة نادوا معاكم الإمام يجي يتعشي معانا .ونواصل
حكايات من الماضي البعيد (6) :
الصباح في النوبة المصرية لا يختلف عن الصباح عندنا في أرقين . نفس الروتين اليومي ، إطلاق الأغنام بعد حلبها لتتمشي قليلا حول البيت بينما صغارها تقفز فوق المصطبة ثم إلي الأرض في قفزات مختلطة مع أصواتها الرفيعة . جاء عدد من الصبية والصبيات الصغار لتحيتي ثم لسوق الأغنام للمراعي . مسكينة خالتي ليس لها صبي ، ولم تنجب غير ابنتها الوحيدة الصغيرة ، لكن صبيان الجيران يأتونها كل صباح ويسوقون غنمها مع أغنامهم وبالتالي ليست هنالك مشكلة في رعي أغنامها . وتسير الأغنام أمام الصبية وهي تحدث أصواتا مختلفة في سيمفونية رائعة تألفت من أصوات الماعز والضان والعجول ، وهي تمشي في هدوء لأنها تعرف مواقع العشب . حدثتني نفس أن أذهب معهم يوما علي الأقل لأرعى أغنام خالتي .
ثاني يوم لنا في القرية الصغيرة (ويسي) ، اليوم لن تذهب خالتي للجروف كعادتها وسوف تبقي مع والدتي ، وقد جلسن تحت شجرة أمام المنزل الكبير . بعد قليل انضمت لهن بعض النسوة ، ستة روضه ، فاطمة عائشة ، خديجة هندى شريفة محمد ، صفرة دهب طه ... وجئن وهن يحملن مواعين بها ماء وداخلها زعف ومخارز وبعض الأشياء التي تستخدم في نسج الطباق ، وأخرى تحمل تحت إبطها لفة من الزعف المنسوج طوتها في شكل دائرى ، وعندما يكتمل نسجها تلصق مع بعضها بطريقة أجدنها مع الزمن لصناعة البروش . سألتني خديجة هندى ، أنت دخلت المدرسة ، فقلت لها نعم . سألت مرة أخري سنة كم ؟ قلت لها سنة ثانية . قالت ما شاء الله، تعرف رئيسنا منو ؟ قلت لها جمال عبد الناصر ، ثم أردفت ورئيس السودان منو؟ قلت لها إبراهيم عبود . فوجهت حديثها لوالدتي قائلة ، الله يحفظه من عيون الإنس والجن . وحينها عرفت أن الجن أيضا يحسد الإنسان . تجاذبت النسوة الحديث ، ثم مالت إحداهن علي خالتي وحدثتها بصوت خافت . ارتفعت شمس الصحي ومال ظل الشجرة قليلا نحو الشرق ، وأحسست بالجوع واستغربت لعدم تحرك الخالة لإعداد الفطور . بعض النسوة أستأذن ثم ذهبن ، وبعد قليل عدن بالفطور كل واحدة تحمل طعامها ثم اجتمعن في ظل الشجرة لتناول الفطور وكأنهن في بيت عرس . في هذه المرة أمسكت بي والدتي وأجبرتني علي تناول الطعام معهن دون حياء قائلة لي أنهن بمثابة أمك . وحينها فقط علمت أن التي حدثت خالتي في أذنها كانت تقول لها لا تتعبي نفسك بالفطور لأن فطور الضيفة علينا . أهم ما تعلمته في هذه الرحلة بساطة الحياة المعيشية وسهولتها وتكافل أهل القرية في كل شيء حتى في استضافة الضيوف ، وهكذا تمضي بهن أيام العمر مع في تناسق مع عجلات الزمن وبدون تعقيدات . نواصل

حكايات من الماضي البعيد (5) :

كانت أول ليلة نقضيها في القرية الصغيرة (ويسي) . زوج خالتي عابدون طه ، يعمل في (القاهرة) . القاهرة وما بعدها من المدن والنجوع في النوبة المصرية كانوا يسمونها مصر العليا ، علي عكس مصر السفلي ويقصد بها صعيد مصر . كان زوجها مداوما علي إرسال مصاريفهم الشهرية وبزيادة لأن الخالة ، وكعادة سائر نساء النوبة لا يعتمدون علي المرتبات الشهرية في حياتهم . فهي تزرع اللوبيا بأنواعها والبسلة والفول المصري ومساحة من القمح علي الجروف تكفي مئونتها للسنة بعد حصاده ودقه ، وتربي الأغنام ويشربون حليبها ، لا يشترون شيئا من الحوانيت إلا الشاي والبن . نظام كروت التموين عندهم ساعدهم كثيرا في الحصول علي السلع الاستهلاكية بسهولة . رأس السكر كان يرسلها زوجها من مصر . جاء وقت العشاء ، نساء الجيران أحضرن طعامهن واجتمعن جميعهن وجلسن لتناول العشاء في الحوش الكبير الذي تتوسطه نخلة يتيمة . بناءا علي رغبتي فرزت لي خالتي عشائي لوحدى ، ليس من المعقول أن أتناول العشاء مع النسوة رغم أن خالتي حاولت اقناعي بدعوى أنني صغير ، كان عشائي يتكون من المش وعسل أسود اللون . بعد أن تناولن عشائهن ، بدأت النسوة يسألن والدتي عن فلانة ماذا فعل بها الزمان ، وعن فلان وصحته بعد شفائه من المرض الذي ألمّ به ، وهي تجاوبهن دون ملل . امتدت استفساراتهن عن الناس والأهل لتتجاوز أرقين إلي دبيرة واشكيت حتى ارتوين بالأخبار وتشبعن بها حتى النخاع ، ثم قمن وانصرفن إلي بيوتهن . ولما انصرفن علقت قائلا ، لم يتركوا شيئا للغد ، فضحكت خالتي معلقة علي حديثي أنت لسع في شقاوتك . بقيت أنا ووالدتي والخالة ، أما طفلتها فنامت منذ المغرب . بدأت الونسة الخاصة بينهن وأنا أتصنع النوم ، ولأول مرة أسمع عن أخبار تدلي بها والدتي للخالة ، ما سمعت بها في أرقين ، فلانة طالبة الطلاق من زوجها ، وفلانة طلبها زوجها في البندر وسافرت . والمشكلة التي كانت بين آل فلان بسبب ورثة الساقية حل مشكلتها العمدة وشيخ فتوح ، وفلانة تزوجت وفلان توفاه الله ، وفلان الذي سافر وهج من البلد ، فتركتهن في سمرهن وذهبت في نوم عميق لم استيقظ منه إلا اليوم التالي مع حرارة شمس الصباح علي جبهتي . جاءت خالتي ومعها صينية الشاي بالبسكويت المصري ، وهي تبتسم وتدعو الهو لي بالعمر المديد والرعاية طوال حياتي ، فصبت الشاي وهي تكسر السكر وتضعه في فنجان الشاي الصيني وتناولني البسكويت . حينها شعرت بأنني ربما كنت مهما و لا أعرف قدر نفسي بسبب الاهتمام الذي وجدته طيلة فترة وجودي مع الخالة . ونواصل
حكايات من الماضي البعيد (4) :
شمال فرص بقليل كانت نقطة شرطة حرس الحدود علي سهل رملى . الشاويش شقاق كان هو حكمدار النقطة السودانية ، شايقي (مشلخ) ، ثلاثة شلخات أفقية . اشتهر الشاويش شقاق بمطاردة المهربين في البر والبحر ، وكان يطلق النار من بندقيته أبو عشرة علي شراع المراكب التي لا تزعن لأوامره بالرسو علي شاطئ النقطة للتفتيش ، ومن تلك المراكب المغامرة ، مركب عمنا محمد أحمد أرناؤوط رحمه الله . كان للشاويش شقاق صولات وجولات في مطاردة المهربين عبر دروب الصحراء . يقال أنه وفي مرة من المرات ، كان أحد المهربين المشهورين ويدعي إبراهيم عقيد من قبيلة العبابدة المصرية ذو شوارب كبيرة ، تحدي الجاويش شقاق في أن يلقي عليه القبض ، فظل شقاق يقطع يوميا مسافة 40 كيلو مترا بناقته البيضاء ما بين النقطة والصحراء في أيام متواصلة إلي أن قبض علي المهرب المشهور وأحضره إلي النقطة وحلق له نصف شاربه وترك له النصف الآخر ثم أخلي سبيله .
استأذن عمنا داؤد من حكمدار النقطة الشاويش شقاق ، وكان من العادة أن ينتقل السكان بين طرفيّ الحدود لزيارة الأقارب أو للمشاركة في مختلف المناسبات ، و رغم أن نقاط الحدود كان كانت نقاط رسمية ، إلا أن سكان طرفيّ الحدود كانوا أسرة واحدة تربط بينهم صلات الرحم . سمحوا لنا بالمرور إلي قرية (ويسي) . لم تستوقفنا النقطة المصرية ، ولم تسألنا حسب ما كان متعارفا بين النقطتين من نظم . وصلنا (ويسي) قبل وقت المغرب ، كانت خالتنا وحسب ما علمنا من جيرانها كانت في الجروف في الزراعة ، لكننا وجدنا طفلتها الوحيدة فاحتضنتها والدتي بكل حنان وشوق حتى أني شعرت بقشعريرة الغيرة تسرى في جسدي . استقبلنا أهل القرية استقبالا حارا ، قاموا بواجبات الضيافة خير قيام ، وعندما حضرت خالتنا وهي تحمل حزمة كبيرة من القش علي رأسها ، وقغ بصرها علي والدتي فرمت بالحزمة علي الأرض واحتضنتها وهي تبكي بكاء المشتاق . نواصل

..سيد ابكر ..........
حكايات من الماضي البعيد (3) :
في الصباح الباكر استيقظت علي صوت الرجال يؤدون صلاة الفجر ، وظللت مستيقظا حتى أتوا بالشاي وبعدها عدنا إلي المركب . ودعنا أهل الحي وشكرهم الرجال عل الضيافة ، وركبنا وهم يلوحون لنا بأيديهم بينما كانت المركب تبتعد عن الشاطئ محدثا صوت احتكاك عيدان الصوارى والأشرعة مع بعضها . كان الهواء ساكنا ، وقام الريس بوكسي بجذب الحبل المربوط به الشراع ، فانحلت حلقاتها ذاتيا دون أن يقوم الريس بتسلق الصاري ويفك حلقاتها حلقة حلقة ، فاستنتجت أن العقد التي تعقد علي الشراع عند طيها تعقد بطريقة تحل كل العقد عند جذب طرف الحبل من سطح المركب . ابحرت بنا المركب في هدوء والشمس لا تزال خلف الأفق لم تظهر أشعتها بعد. فجلست في طرفها أتامل حركة الماء عند اصطدامها بغاطس المركب .
في حوالي الثامنة صباحا وصلنا إلي فرس ، لاحظت قلة أشجار النخيل بالمقارنة مع نخيلنا في أرقين . فرس قرية وادعة بيوتها الطينية قريبة الشبه من ببيوتنا . يلفها سكون وليست مزدحمة . مجموعة من الأغنام والأبقار تتجه صوب المراعي بالقرب من النيل وبعض الفتيات يردن الماء لملء الأزيار تماما كما يحدث في ارقين ودبيرة واشكيت . امرأة عجوز تقو د قطيعها الصغير وهي تحرك بيدها علبة معدنية بها حصاوى تحدث أصواتا لحث القطيع علي السير إلي حيث هي تريد . وأخرى ذكرتني بالشبه جدتي التي رحلت قبل سنوات مضت .المسافة من النيل للقرية ليست ببعيدة وتكسوها شجيرات قصيرة . كل من قابلنا في الطريق كان يسلم علينا ( سلام ، مسكا داشو، سقرّى أخرو ، توقلي شديدمنو ، بركا مسكا دويسوقا..) . سألتهم والدتي عن منزل داؤد جمعة مساعد الحكيم في الشفخانة . دلونا علي المنزل بسرور وكأنهم اختزلوا آلاف السنين من الحواجز عندما سمعوا اسم داؤد الدكتور...........توجهنا مباشرة إلي منزل عمنا داؤد جمعة تغمده الله بواسع رحمته ، وكان يعمل وقتها في شفخانة فرس . فاستقبلتنا زوجته (زينب كريتة) متعها الله بالصحة والعافية ، وكانت صديقة لأمي ، وتربطنا بها وبزوجها داؤد صلة رحم . جيران زينب كريتة ، ما أن سمعن بأن هنالك ضيفة إلا وأسرعن بالمجئ لمنزل الدكتور لتحية الضيفة التي حلت بديارهن . تناولنا الفطور والغداء مع عمنا داؤد ، وبعد العصر اصطحبنا إلي نقطة الحدود . كنت تواقا لرؤية النقطة التي تحدث عنها الركبان . كنت أعتقد انها مباني حكومية مثل تلك التي ألفناها بالقرب من المدرسة في ارقين ، لكن خاب ظني عندما رأيتها خيمة بيضاء في سهل رملي ، وعلي بعد 100 متر منها نقطة مصرية بنفس الشكل . نواصل .https://www.facebook.com/Nubianpharaohs?ref_type=bookmark