الاثنين، 11 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (9) :
احتج شيخ أحمد بعد انتهائه من سرد حكايته مع زوجته الفلاحية علي تاخر طعام العشاء . انتفض الخال صادق واقفا وهو يردد العشاء جاهز كنا ننتظر عودة الشيوخ من الجامع . تقدم الخال نحو باب المنزل ، وبعد أن تخطي بضع خطوات دعاني لمساعدته . حملت جردل مياه الشرب والكيزان إلي البروش ثم عدت مقفلا إلي داخل فناء المنزل الذي أشاهده لأول مرة . فناء كبير من الداخل مثل سائر منازل النوبيين ، ولكن كان عليّ أن أتجاوز الدهليز والمندرة قبل أن يقع بصري علي بقية الغرف المبنية مع السور والمطلة أبوابها إلي الفناء الداخلي (الحوش) . لا ادرى أي مهندس هو الذي صمم منازل النوبيين بهذه الكيفية ، منزل الخال مثل منزل الخالة ومثل منزلنا في ارقين وسائر المنازل الأخري في النوبا في شكله وتصميمه . حملت أواني الغسيل النحاسية أبريق كبير ومعه حوض مصنوع من نفس المعدن النحاسي مثل ذلك الذي نشاهده في محلات الأناتيك . أحضرنا صينية الأكل مغطاة بطبق أشبه بالطباق التي تصنعها أمي تحت شجرة الأثل مع صديقتها هانم جليقة . طبق ملون تبينت ألوانه بسهولة في الظلام لخبرتي التي اكتسبتها من خلال ملاحظة أطباق الوالدة التي تضعها في جوال (خيش) وتعلقها علي الحائط . تنحنح الجماعة ، والنحنة صوت يحدثه الناس وهي اشارة رضاء أو لجذب الانتباه إلي شيء ما . زحف كل منهم من مكانه في البروش إلي حيث وضع الطعام في المنتصف . شاهدت ثلاثة كلاب لا أدري من أين جاءت وقد افترشت الرملة من حولنا باسطة أيديها للأمام وهي تحرك أذنابها لتعلن عن وجودها . 

عندما رفعوا الطبق ، فوجئت بوجود خبز (بلدي) مع باقي الطعام كان يسمونه (البتاو) خبز مصنوع من عجين القمح وخشن الملمس وأكبر من الخبز العادى الذي يصنع في المخابز . من العادة أننا لا نتناول الخبز إلا في المدينة . أما في قرانا فإن مخابزنا كانت دوكة الطين الملساء لعواسة القراصة وكسرة القمح الرهيفة (صلابية) . من أين جاء الخال بالرغيف ؟ في هذه المرة قررت أن المجازفة بسؤال عن مصدر الخبز وفي هذه المرة دون حياء كما كنت افعل في المواقف السابقة . لقد تذكرت في تلك اللحظة نصيحة استأذنا سيد علي إبراهيم مهدى بالتعرف علي أي شيء ، وتذكرت حديثه بأنه كان يستفسر عن كل شيء لإدراك حقيقة الأشياء ، وأنه كان يذهب إلي محطة السكة حديد ويسأل العمال عن مختلف الآلات والأدوات وحتى عن الصنافور وعجلة تغيير خطوط السكة الحديد إثناء المناورة ليعرف وظيفة كل آلة . استجمعت قواي الأدبية وشعرت بالسؤال يصعد إلي حلقي ثم يعود ليختفي مرة أخري في صدرى ، وتمنيت لو أن أحدهم تبرع بالإجابة قبل أن أوجه سؤالي مكرها . وأخيرا قررت وسألت وأنا أتلعثم ، يا خال الرغيف ده يصنع محليا ؟ فكانت الإجابة جماعية من جميع الحضور ، نعم عندنا أفران بلدية في البيوت ، أنتو ما عندكم في أرقين . أجبت بكل صدق ، لا ولكني شاهدت هذه الأفران في بيوت الفلاحين في الجزر القريبة منا . ولقد قررت في نفسي أن أطلب من خالتي أن تعلم والدتي كيف يصنع الخبز البلدى وكيف يشيد الفرن من الطين . وبينما كنا منهمكين في تناول الطعام أحدث كلب صوتا أثناء عراك خفيف مع كلب آخر . في هذه اللحظة وجه شيخ حسن حديثه لشيخ أحمد أجدع لقمة للكلاب يا شيخ أحمد . فرد شيخ أحمد سريعا ، أنت قدامك بليلة ؟ فضحك الجميع حتى فرغوا من تناول وجبة الطعام استعدادا لجلسة ما بعد الطعام مع الشاي السادة . نواصل

..سيد ابكر ..........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق