الاثنين، 11 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (6) :
الصباح في النوبة المصرية لا يختلف عن الصباح عندنا في أرقين . نفس الروتين اليومي ، إطلاق الأغنام بعد حلبها لتتمشي قليلا حول البيت بينما صغارها تقفز فوق المصطبة ثم إلي الأرض في قفزات مختلطة مع أصواتها الرفيعة . جاء عدد من الصبية والصبيات الصغار لتحيتي ثم لسوق الأغنام للمراعي . مسكينة خالتي ليس لها صبي ، ولم تنجب غير ابنتها الوحيدة الصغيرة ، لكن صبيان الجيران يأتونها كل صباح ويسوقون غنمها مع أغنامهم وبالتالي ليست هنالك مشكلة في رعي أغنامها . وتسير الأغنام أمام الصبية وهي تحدث أصواتا مختلفة في سيمفونية رائعة تألفت من أصوات الماعز والضان والعجول ، وهي تمشي في هدوء لأنها تعرف مواقع العشب . حدثتني نفس أن أذهب معهم يوما علي الأقل لأرعى أغنام خالتي .
ثاني يوم لنا في القرية الصغيرة (ويسي) ، اليوم لن تذهب خالتي للجروف كعادتها وسوف تبقي مع والدتي ، وقد جلسن تحت شجرة أمام المنزل الكبير . بعد قليل انضمت لهن بعض النسوة ، ستة روضه ، فاطمة عائشة ، خديجة هندى شريفة محمد ، صفرة دهب طه ... وجئن وهن يحملن مواعين بها ماء وداخلها زعف ومخارز وبعض الأشياء التي تستخدم في نسج الطباق ، وأخرى تحمل تحت إبطها لفة من الزعف المنسوج طوتها في شكل دائرى ، وعندما يكتمل نسجها تلصق مع بعضها بطريقة أجدنها مع الزمن لصناعة البروش . سألتني خديجة هندى ، أنت دخلت المدرسة ، فقلت لها نعم . سألت مرة أخري سنة كم ؟ قلت لها سنة ثانية . قالت ما شاء الله، تعرف رئيسنا منو ؟ قلت لها جمال عبد الناصر ، ثم أردفت ورئيس السودان منو؟ قلت لها إبراهيم عبود . فوجهت حديثها لوالدتي قائلة ، الله يحفظه من عيون الإنس والجن . وحينها عرفت أن الجن أيضا يحسد الإنسان . تجاذبت النسوة الحديث ، ثم مالت إحداهن علي خالتي وحدثتها بصوت خافت . ارتفعت شمس الصحي ومال ظل الشجرة قليلا نحو الشرق ، وأحسست بالجوع واستغربت لعدم تحرك الخالة لإعداد الفطور . بعض النسوة أستأذن ثم ذهبن ، وبعد قليل عدن بالفطور كل واحدة تحمل طعامها ثم اجتمعن في ظل الشجرة لتناول الفطور وكأنهن في بيت عرس . في هذه المرة أمسكت بي والدتي وأجبرتني علي تناول الطعام معهن دون حياء قائلة لي أنهن بمثابة أمك . وحينها فقط علمت أن التي حدثت خالتي في أذنها كانت تقول لها لا تتعبي نفسك بالفطور لأن فطور الضيفة علينا . أهم ما تعلمته في هذه الرحلة بساطة الحياة المعيشية وسهولتها وتكافل أهل القرية في كل شيء حتى في استضافة الضيوف ، وهكذا تمضي بهن أيام العمر مع في تناسق مع عجلات الزمن وبدون تعقيدات . نواصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق