الاثنين، 11 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (12) :
صرخة الوالدة في وجهي في تلك الليلة أعادتني إلي رشدي وانتزعتني من أحلام الطفولة الناعمة إلي خشونة الشاب الناضج المشبّع بالمسئولية الكاملة تجاه تفاصيل الحياة برمتها ، شرها وخيرها . ما كان لي أن أطاوع نفسي وأتمادى في أسئلتي السخيفة عن الخالة التي ظهرت لمخيلتي فجأة ودون مقدمات . لكنني مع كل تلك الأحاسيس والمشاعر الفظة ، شعرت وكأنني استفدت من التجربة واستوعبتها فورا وأدخلتها في قواميس حياتي واكتشفت أن الحساسية المفرطة التي اكتسحت جوانحي مثل طوفان النيل في بلادي قد تكون مضرة لي في مستقبل أيامي . ولقد اكتشفت في مراحل متقدمة أن الحساسية المفرطة تجلب للمرء الحياء المبالغ فيه حتى في الأشياء العادية التي تقابل الإنسان في رحلة الحياة مما يجعله انطوائيا رغما عن أنف طبعه . وبينما كان ضوء القمر ينساب إلي فناء البيت ، وعلي جرائد النخلة الوحيدة التي تتأرجح مع النسيم في وسط الحوش ، ابتعدت بسريري بعيد عن الوالدة والخالة وطفلتها ، لأنني كنت في حاجة إلي الاختلاء بنفسي للتفكر في هذه القضايا التي أرّقتني .
أويت إلي سريري في تلك الليلة وأنا أفكر في الرحلة الإجبارية إلي أبو سمبل ، من أين تبدأ وأين تنتهي ؟ وكيف هي ؟ وكيف الوصول إليها ، بالمراكب الشراعية أم بالباخرة . مجموعة من الأسئلة اختزنتها إلي حين يصبح الصباح ، وقد قررت مسبقا أن أرافق صبيان القرية في مشاوير رعي الأغنام علني اغرف منهم الكثير من الإجابة علي هذه التساؤلات . في الصباح نهضت باكرا علي غير العادة ، ووجدت مزاجي علي غير ما كان عليه في الليل وتبخرت أفكاري عن المسئولية وعن الحساسية مع الظلام عندما انفلق الصباح ، وأيقنت أنها كانت خواطر لردود فعل عابرة كان ينبغي أن أتعامل معها ببساطة بدلا من الانسياق وراء خيالات لم تكن واقعية ، وشعرت أنني ظلمت والدتي بظني أنها باتت تكرهني . خرجت من البيت لأواري خجلي ، وجلست في مسطبة البيت انتظارا لصبيان القرية لأذهب معهم إلي المراعي علني بذلك أنسي بعض غبائي وأخفف ثقل تأنيب الضمير الذي يكاد يقتلع جذوري من الأرض . وفجأة سمعت صوت الوالدة وهي علي عتبة الباب تناديني مستفسرة عن سبب جلوسي في الخارج ، ولم أقو علي إجابتها وقمت من مكاني إلي حيث تقف فوضعت يدها علي رأسي تمسح بها شعر رأسي وأنا أكاد أزرف الدموع من فرط إحساسي بحنانها ، وقالت لي هامسة لن نذهب إلي أبو سمبل ، سوف اعتذر لأختي زينب إن والدك ينتظرنا في أرقين وفي حاجة ماسة إلي وجودنا معه . ونواصل انشاء الله.

..سيد ابكر ..........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق