الاثنين، 11 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (7) :
بعد مغيب الشمس ، كان من العادة أن تستنشق روائح الإدام المنبعثة من بيوت أهل القرية في النوبة ، والي جانبه رائحة روث البهائم المحترق أسفل دوكة الطين لعواسة (الكابيدة) . هنالك فارق كبير بين كابيدة دوكة الطين وكابيدة دوكة الحديد (الصاج) . كابيدة دوكة الطين لها مسامات كثيرة ، وعند وضع الإدام أو الملاح ، فان الكابيدة تمتص الملاح ، وعندما نتناولها لنأكلها نجدها هشة مشبعة تماما مما يجعلها لذيذة الطعم والمذاق ، خاصة عندما تكون بالعسل والسمن البلدي أو بالمش أو باللبن الرايب .خالنا في بالحساب صادق محمد ، قدم لوالدتي دعوة لتناول طعام العشاء في منزله العامر . وحقيقة كنت معجبا بالخال لأنه كان هميما ونشيطا يهتم بإبله ويسوقها كل صباح الي الخلوات البعيدة حيث اشجار السنط وغيرها مما يفضلها الأبل في غذائه . ولم يكن يجلس مثل بقية رجال القرية في ظلال البيوت وقت الضحي . لذلك كنت معحبا به ونالت دعوته الإستحسان مني لكي أعرففه عن كثب . والعزومة لا تكون للضيفة وحدها ، بل حتى الجيران القريبين يشاركون في جلسة الطعام وما بعدها . بعد صلاة المغرب تحركنا ووالدتي والخالة إلي منزل صادق محمد الذي يبعد عنا بحوالي نصف كيلو متر تقريبا . النبي نوح عليه السلام ، عبارة قالتها والدتي عند بداية تحركنا ، وهي عبارة تقال لتحاشي العقارب والثعابين إثناء السير ليلا . كنت أسرع منهم في السير لخفة جسدى ولصغر سني ، خالتي تناديني ( هوي ويلد ، أفشك واهينقي) ، وتعني ، يا ولد خلي بالك من الحشرات الضارة . مررنا أمام الكثير من منازل القرية لنصل الي المكان المقصود ، وكلهم يدعوننا ( فضلوجنا ن أول مرة لنناني تر اسكتي إدن داري إند كريي) ، والكلام موجه للخالة ومعناها اتفضلوا معانا لأن الضيفة دي أول مرة لها تأتي الي هنا ( القرية) . وتعتذر لهم خالتي بأننا مدعوون في مكان آخر ، ثم تطيب خواطرهم بكلمات الإطراء والشكر .
وصلنا المنزل ووجدنا الخال وبعض جيرانه يفترشون بروش كبيرة خارج المنزل . بعد التحية والمجاملة وبطبيعة الحال جلست مع الرجال، وعلي بعد أمتار منا جلست النساء بنفس الطريقة. خالنا وزوجته الطيبة استقبلونا استقبالا يليق بالمسافة التي قطعناها من أرقين حتى وصلنا إلي قريتهم خلف الحدود . في مثل هذه الجلسات تتجدد مواضيع (الونسة) لأنها تكون من وحي المناسبة وليست مواضع عادية يعرفها الجميع ، بل كل واحد ينحت عقله ليخرج الجديد المثير لكسب المستمعين وانتباههم لحكاويه . نادى المؤذن لصلاة العشاء . حاج أحمد قال الليلة ما بقدر أمشي الجامع الرطوبة قايمة عليّ . شيخ جسن يقول له ناصحا ، أحسن الجامع وكل خطوة عندك بها أجر . وكادت أن تقع مشادة بين الرجلين في مسائل فقهية . ويحسمها الخال صادق قائلا : خلاص امشوا صلوا وتعالوا انا بصلي مع حاج أحمد وبعد الصلاة نادوا معاكم الإمام يجي يتعشي معانا .ونواصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق