الاثنين، 11 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (2) :
في يوم كان فيه النهر هائجا والوقت بعد المغرب ، رست قبالة بيوتنا مركب (بوكسي) لتقلنا أنا ووالدتي إلي فرس . نزلنا إلي المشرع وركبنا علي ظهر المركب بعد أن وضعوا لنا السقالة . كان هنالك أناس آخرون مسافرون جاءوا مع المركب لا أعرفهم ولكن والدي كان يعرفهم . حلف عليهم أن يتحركوا بعد العشاء لكنهم قالوا من الأفضل أن نكسب الوقت ونتعشى قدام . ودعنا والدنا وسحبوا السقالة وتحركت المركب وهي تجري بنا علي الماء شرقا وغربا بينما كانت مقدمتها تصطدم بالأمواج لتلقي برزاها علينا فوق سطح المركب التي كانت بدورها تعلوا وتهبط بنا مع الأمواج . كان مسار المركب غرب جزيرة (ابسريرا) بين شمال ارقين ودبيرة وكانت المركب تقترب من الجزيرة حينا وتبتعد حينا كعادة المراكب عندما تبحر شمالا عكس الرياح . كلما اقتربنا من الجزيرة كنت أري أضواء خافتة تنبعث من رواكيب الفلاحين والصيادين الذين كانوا يقطنون الجزيرة . بعد مسيرة طويلة مشوبة بالحذر وخوف ملأ صدرى ، رست المركب شمال (فرا دوي ) المعروفة بآثار القدماء من سكان المنطقة الأولين ، في حلة كانت تسمي (قار) ، والحلة كانت حلة الكنوز جنوب (سرة) . مع صوت شراع المركب وأصوات ركابها ، جاء بعض سكان الحلة يحملون الفوانيس إلي حيث رسونا ، وانتظروا حتى أكمل (بوكسي) الريس طي الشراع وإحكام ربط المركب . رافقناهم إلي بيوتهم ، وعندما وصلنا إلي الحيّ جاءت نسوة الحي ورافقن والدتي الي داخل المنزل بينما بقيت مع الرجال في بروش فرشوها علي رمل الأرض . كان الوقت منتصف الليل تقريبا ، ويكاد الجوع يقتلني ، لكنني كنت متماسكا لأنني برفقة رجال لا أعرفهم ، وحتى إذا اشتكيت الجوع وقتها ما كان سيكون علي من حرج لصغر سني بينهم . بعد قليل أتوا بالصحانة الكبيرة والكابيدة الحارة ملتصقة بباطن الصحون ومرشوشة بالعسل والسمن البلدى . فأكل الجميع بشهية ، ثم أحضروا شاي اللبن فشربنا ونمنا وقضينا نلك الليلة في ضيافتهم . نواصل انشاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق