الاثنين، 11 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (5) :

كانت أول ليلة نقضيها في القرية الصغيرة (ويسي) . زوج خالتي عابدون طه ، يعمل في (القاهرة) . القاهرة وما بعدها من المدن والنجوع في النوبة المصرية كانوا يسمونها مصر العليا ، علي عكس مصر السفلي ويقصد بها صعيد مصر . كان زوجها مداوما علي إرسال مصاريفهم الشهرية وبزيادة لأن الخالة ، وكعادة سائر نساء النوبة لا يعتمدون علي المرتبات الشهرية في حياتهم . فهي تزرع اللوبيا بأنواعها والبسلة والفول المصري ومساحة من القمح علي الجروف تكفي مئونتها للسنة بعد حصاده ودقه ، وتربي الأغنام ويشربون حليبها ، لا يشترون شيئا من الحوانيت إلا الشاي والبن . نظام كروت التموين عندهم ساعدهم كثيرا في الحصول علي السلع الاستهلاكية بسهولة . رأس السكر كان يرسلها زوجها من مصر . جاء وقت العشاء ، نساء الجيران أحضرن طعامهن واجتمعن جميعهن وجلسن لتناول العشاء في الحوش الكبير الذي تتوسطه نخلة يتيمة . بناءا علي رغبتي فرزت لي خالتي عشائي لوحدى ، ليس من المعقول أن أتناول العشاء مع النسوة رغم أن خالتي حاولت اقناعي بدعوى أنني صغير ، كان عشائي يتكون من المش وعسل أسود اللون . بعد أن تناولن عشائهن ، بدأت النسوة يسألن والدتي عن فلانة ماذا فعل بها الزمان ، وعن فلان وصحته بعد شفائه من المرض الذي ألمّ به ، وهي تجاوبهن دون ملل . امتدت استفساراتهن عن الناس والأهل لتتجاوز أرقين إلي دبيرة واشكيت حتى ارتوين بالأخبار وتشبعن بها حتى النخاع ، ثم قمن وانصرفن إلي بيوتهن . ولما انصرفن علقت قائلا ، لم يتركوا شيئا للغد ، فضحكت خالتي معلقة علي حديثي أنت لسع في شقاوتك . بقيت أنا ووالدتي والخالة ، أما طفلتها فنامت منذ المغرب . بدأت الونسة الخاصة بينهن وأنا أتصنع النوم ، ولأول مرة أسمع عن أخبار تدلي بها والدتي للخالة ، ما سمعت بها في أرقين ، فلانة طالبة الطلاق من زوجها ، وفلانة طلبها زوجها في البندر وسافرت . والمشكلة التي كانت بين آل فلان بسبب ورثة الساقية حل مشكلتها العمدة وشيخ فتوح ، وفلانة تزوجت وفلان توفاه الله ، وفلان الذي سافر وهج من البلد ، فتركتهن في سمرهن وذهبت في نوم عميق لم استيقظ منه إلا اليوم التالي مع حرارة شمس الصباح علي جبهتي . جاءت خالتي ومعها صينية الشاي بالبسكويت المصري ، وهي تبتسم وتدعو الهو لي بالعمر المديد والرعاية طوال حياتي ، فصبت الشاي وهي تكسر السكر وتضعه في فنجان الشاي الصيني وتناولني البسكويت . حينها شعرت بأنني ربما كنت مهما و لا أعرف قدر نفسي بسبب الاهتمام الذي وجدته طيلة فترة وجودي مع الخالة . ونواصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق