الاثنين، 11 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (10) :
بدت لي هذه القرية وكأنها معمل صغير يمارس فيها كل التقاليد والعادات النوبية الخاصة بكل بلاد النوبة شمالها وجنوبها . لم اشعر بفارق كبير في أسلوب الحياة هنا في (ويسي) ، فهو نفس الأسلوب الذي يمارس في ارقين وغيرها من القرى النوبية كما ثبت لي فيما بعد . لا أريد إن أتحدث عن وحدة الثقافة والتاريخ النوبي فهذه قضايا مسلم بها ، لكن رحلتي كانت كرحلة مكتشف صغير محدود المعرفة أراد أن يطور معارفه بالتجربة العملية . 

يصبح الصباح وتدور عجلات الحياة ويذوب الجميع في أتونها : من تربال يحمل أغراضه ويتجه نحو الجروف صوب النهر ، ومعيز وضأن تصيح بأعلى صوتها لتجمع أولادها إلي جوارها وهي تسير إلي المراعي أمام صبيان القرية ، وبهائم صغيرة لا تقوى علي السير أبقوها في منازلهم إلي حين عودة أمهاتها من المرعي قبيل منتصف النهار ، ونساء اجتمعن أمام بيوتهن تحت ظلال الأشجار يمارسن صناعة بعض المصنوعات التقليدية التراثية ، وأخريات انشغلن بحياكة الملابس بعضها جديدة وأخري مزقتها أشواك وأفرع الأشجار يقمن بإصلاحها . في ذلك الصباح اصطحبت الخالة والوالدة لزيارة الجروف ورؤية زراعتها والوقوف علي مدى كدها وجهدها في أعمال الزراعة التي كنت أجيدها عندما أذهب بالفطور والشاي إلي حيث يقوم والدي بعزق الأرض اللينة المخلوطة بالطين والرمال . تحتاج ضربة الفأس علي الأرض وإحداث حفر متراصة لدفن البذور فيها بدءا من (القيف) والي حيث وقف انحسار ماء النهر خبرة كافية كنت قد تشربت بعضها . اقتربنا من الزراعة ، وتفوح رائحة النباتات الخضراء بكل أنواعها عندما نمر بها وتصطدم أوراقها لتبلل أرجلنا بالندي . وصلنا إلي زراعة الخالة ، وبدأنا باللوبيا التي كانت ما تزال صغيرة ، وسمعتها تقول للوالدة (كجرا بتي ) ، وكجرا بتي كما استنتجت معناها في ذلك اليوم مرحلة من مراحل نمو النبات بعد أن تخرج من جوف الأرض . ثم مررنا علي مخلفات نباتات القمح والتي بقيت في مكانها بعد حصاده ، بعضها ربطتها الخالة في شكل حزم وأخرى لم يتم جمعها بعد علي شاكلة الحزم . وبينما انهمكت الوالدة والخالة في ربطها جاءت بعض النسوة من الجوار يساعدنهن في جمعها وربطها وهن يتحدثن في مختلف القضايا كعادة نساء النوبة . شعرت بأن المدة التي قضيتها في هذه القرية كافية بعد أن أتممنا زيارة الخالة ويلزمنا الرجوع إلي أهلنا في أرقين التي افتقدت فيها أصحابي وأقراني وراودني الحنين إليهم والي نخيلنا وكل شيء في ديارنا ، وربما فاتحت الوالدة في العودة إلي أرقين في الليل عندما نجتمع في فناء الحوش الكبير في منزل الخالة .ونواصل انشاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق