الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

حكايات من الماضي البعيد (23) , (24)

حكايات من الماضي البعيد (23) :



عبر محمد سليمان تبد النيل ووصل الي قريتنا لإجراء المعاينة الأخيرة لموقع المضرب الذي سيثبت فيه المضخة وبعدها عاد مجددا الي اشكيت . يبدو أن الفكرة قد راقت له تماما . كنا نحن الصغار علي عجلة من الأمر لتركيب المضخة وشق الترع والقنوات التي طالما اكتسبنا خبرة في تخطيطها أثناء اللعب أمام منازلنا الطينية . بعد ايام ، وصلت مجموعة من العمال من صعيد مصر ، وعلي الفور بدءوا يقتلعون أشجار السنط الضخمة التي تعترض خط الترعة الرئيسية المتجه من المضرب علي النيل والي الغرب بحوالي نصف كيلو متر . لأول مرة نشاهد كيف يقتلعون الأشجار الضخمة من جذورها ، فقد حفروا حفرة اشبه بالبئر حول الشجرة المسكينة بعمق متر ونصف تقريبا ، ثم قطعوا جذورها وربطوا الشجرة بحبل طويل وأخذوا يجرونها الي ان سقطت الشجرة ومالت علي الأرض . وبعدها أخذوا الفئوس وقطعوا أغصانها ثم أعقابها داخل الحفرة ، وهكذا وضعوا حدا لحياة تلك الأشجار الضخمة التي شهدت مولدنا وأيام طفولتنا .
بدأ العمال في حفر الترعة الرئيسية ، ولا حظنا أن الترعة كانت مرتفعة عند المضرب ويتضاءل ارتفاعها كلما امتدت غربا لتتفرع الي الشمال والجنوب . ثم جاءوا بالمضخة وتم تركيبها ، وذبحوا الذبائح يوم أن ضخت الماء وملأت الترعة وانساب الماء رقراقا وتحولت يمينا وشمالا في اراضي لم تذق طعم الماء من قبل إلا رشات امطار خفيفة تتساقط علي شكل نقاط علي الرمل كانت تزورنا في شهر مايو من كل عام مع قوس قزح كان يغطي سماء الصحابة واشكيت . وحينها كنا نحمل الصفائح المعدنية ونسير في طوابير مع زخات المطر ونحن نغني ( أمبور أمبور كوبي كوبي ، سولق نويلوق كوبي كوبي ) . مسكينة الساقية والشادوف أدوات ريّ الأراضي التي استخدمها أباؤنا وأجدادنا منذ فجر التاريخ ، آن لها الآن أن ترتاح من عناء السنين ، فقد جاءت المضخة الميكانيكية التي تعمل بزيت (الديزل) . كان المسئول عن تشغيل المضخة رجل يدعى عبد المنعم ، جاء به محمد سليمان تبد . وزعت الأراضي علي المزارعين وبدءوا بمحصول الذرة الصيفي ، وكم كان منظره جميلا بسيقانه الغليظة الطويلة وأوراقه الخضراء العريضة ، والأجمل من كل ذلك عندما أخرجت قناديلها مارة بكل المراحل : شرا ثم لبنة ، ثم ثم استواء كامل . في مرحلة اللبنة ، كنا نطارد العصافير ، وعندما تكون بعيدة كنا نستخدم بما يسمي بـ (التوقج) ، ثلاثة حبال بطول متر تلتقي أطرافها بشبكة دائرية صغيرة لا تتجاوز عشرة سنتيمترا يوضع فيها حجر ثم ندور بها في الهو ونطلق حبلا من حبالها وينطلق الحجر الي حيث توجد العصافير فتفر جميعها عندما يقع الحجر بالقرب منها .
بهذا المشروع الصغير المروي ، انتقل مجتمعنا الصغير من الزراعة البدائية الي زراعة متقدمة تتبع فيه الدورة الزراعية بطريقة عفوية ، وشهدت منطقتنا وفود عمال من خارج أرقين ، من دنقلا وغيرها من المناطق البعيدة وقد ساهموا كثيرا بخبراتهم وثقافاتهم ومعارفهم الزراعية في تنظيم ا لأحواض ورفع (التقاند) وإصلاح قنوات الري ، وبنوا رواكيب لهم وسط المزارع وأسسوها بأسرة الخشب والمقاعد وكل الضروريات التي تلزمهم . كان من أكثر السكان الذين اندمجوا مع أولئك العمال جدنا فرح محمد عيسي (فرح شميشة) ، وكان رجلا ذو نوادر وحكم ، وبفضله سرعان ما ألف العمال منطقتنا وصاروا جزءا منها . ونواصل انشاء الله


حكايات من الماضي البعيد (24) :

ما أجمل الخلوات العامرة بالناس في أوقات المقيل وأمسيات الأنس ، أراضي رملية بيضاء طاهرة . أصبحنا نتجمع كل ليلة علي ربوة الرمل الناعمة بعد الكد والعناء اليومي في مزارع الذرة التي اصبحت جزءا من حياتنا . شكرا لمحمد سليمان تبد صاحب فكرة المشروع ، وشكرا لعبد المنعم ظرافة الأسطى المسئول عن تشغيل المضخة . وشكرا لعمنا الراحل حسن صالح آدم الذي كان يعلمنا كيف نصطاد الجراد ونشويه ثم نلتهمه بمذاقه اللذيذ تماما مثل شرائح البطاطس الرقيقة . مشكلة واحدة فقط تسبب فيها المشروع ، وهي مشكلة البهائم والحيوانات التي تلتهم أوراق نبات الذرة وأصحابها في غفلة . لكن أمكن حلها بتحديد أماكن لرعيها جنوب المشروع في مساحة من الأرض كنا نسميها (كترجي) ، ويبدو أنها كانت تتبع لعائلة الكترجية لكن أحدا لم يستثمرها لا في ريها بالسواقي ولا بزراعة جروفها . التداخل السكاني بين شمال أرقين ووسطها كان واقعا ومعروفا ، وعندما نجد النساء قد ارتدين الجرجار ووضعن الطرحة علي رؤوسهن ومن فوقها (الشقة) ، فاعلم أن هنالك أمر جلل قد حدث . وفعلا كنا نسمع عن خبر وفاة ، وكانت الوفيات تحدث في فترات متباعدة تعد بالسنين ، وأحيانا بعد عشرة سنوات وأكثر ، لذلك كان الناس يؤرخون للأحداث بموت فلان أو بفيضان 1946م ، وغيرها من الأحداث .
نمو المشروع الزراعي ساهم ايضا في تقوية الروابط بين الناس ، فقد كانت نساء ارقين وسط يأتين في كل الأوقات صباحا أو عصرا لحش القش لأغنامهن ومسألة الأكل والشراب بعد رحلتهن الطويلة لم تكن مشكلة في يوم من الأيام ، فكن يدخلن في أي بيت وإن لم يجدن أصحاب البيت يدخلن المطبخ لإعداد وجبة طعام سريعة أو لإعداد الشاي الذي كان تناوله مقدسا عند النوبيين . آلة النورج ، آلة مصنوعة من الخشب اشبه بالدبابة ، وأسفلها كمية من الصاجات مثل صاجات (الديسك) التي تستخدم في المشاريع المطرية ، كانت هذه الآلة تستخدم لدرس القمح والذرة . أول من أحضرها هو ابراهيم صالح آدم ، الذي كان قدم حديثا من مصر ليستقر بأرقين بعد أن قضي جل فترة شبابه في مصر . منظر الترعة الرئيسية المليئة بماء الري كان منظرا مألوفا لدينا نحن الصغار ، فقد كنا نصنع مراكب من الخشب ونعلق عليها أشرعة صغيرة ونتركها تطفو ونتسابق بها في مياه الترعة تقليدا للكبار . كانت السلطات في وادى حلفا تنظم مهرجانا سنويا لسباق المراكب ، فكان الناس يتابعون ذلك السباق مع تشجيع أصحابها للفوز ، وكان هنالك كأس وجائزة مالية تسلم لمن كان ترتيبه الأول في السباق ، كان ذلك السباق هو الذي كنا نقلده في مياه الترعة الرئيسية .
مرت بنا الأيام علي هذا المنوال ، غير أن عبد المنعم ظرافة استقال من مهمة تشغيل المضخة ، فجاء بدلا عنه عمنا رحمه الله حسين عابدين ليكون مسئولا عن تشغيل المضخة ، ولم تلبث أيام حتى كان واحد منا . كان عمنا عثمان حسب الله الحارس (الخفير) في الغرفة المشيدة للمضخة . عمنا عثمان حسب الله قضي جل عمره في مصر ، وكان متزوجا من خالتنا زينة فرح وبالنوبية (سينا فرح ) والدة محمد ومرغني عثمان حسب الله . عمنا عثمان كان ممثلا بارعا في التمثيليات التي كانت تعرض في نادي (أمبي) ، ودائما ما كان يمثل دور الشرطي محتفظا بزى الشرطة المصرية ، ويبدو والله أعلم أنه كان يعمل في الشرطة المصرية . تطورت العلاقة بين عمنا عثمان حسب الله وحسين عابدين ، حتي زوجه ابنته الكبرى طاهرة عثمان وقد توفيت رحمها الله في منصف السبعينات بعد أن انجبت معه أبناءها الفاتح وسمير واثنين من البنات . ونواصل انشاء اهاء

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

حكايات من الماضي البعيد (22) :

حكايات من الماضي البعيد (22) :
( أول خطوقا آيل أدونقل تاتسي) ، مطلع قصيدة لابن أدونقا الأديب الشاعر كمال عبد الحليم متعه الله بالصحة والعافية . نزلنا من مركب جدنا عابدون جبارة ، وأخيرا وطأت أقدامي أرض أرقين فغرستها في رمال (أدونقا) الباردة تحت شجرة الجميزة الضخمة إمعانا في اقناع نفسي بأن ايام الغربة قد ولت وأصبحت في موطني . الجميزة الضخمة هي جميزة السيدة النوبية فاطمة حجة ، وللجميزة انطباعات خاصة في الذاكرة لطالما لمت شمل الأهل في مناسبات الأعياد من كل عام لتناول الفطور الجماعي والثرثرة علي ظلالها بالقرب من (القيف) الرملي المنحدر الي النيل الخالد . شربت كوبا من ماء الأزيار المشبعة بالرطوبة والمثبتة علي جزع الشجرة الضخمة ، فارتويت بـ (الكوز) النحاسي (صنع مصر) الذي حول لون الماء الي لون زيتي حتى رشح العرق من مسامات بشرتي . (سلام ، ويفي جرو ، كودي منو ، سيدتون داجرو ) ، استفسارات تلقتها الوالدة من بعض نسوة (أدونقا) ، فاطمة حجة وهانم قاقا ونبوية بيكيا ، لأنهن كن قد رأين رسو المركب بالقرب من الجميزة ونزولنا منها . ردت والدتي عليهن السلام وعرفن منها أننا قادمون من أرض مصر عبر الحدود ، فتعجبن من الرحلة الطويلة التي قطعناها حتى وصلنا الي وطننا الصغير . واصلنا سيرنا للمنزل من خلال غابة تشكلت من اشجار الأثل والسنط وقليل من النخل ، وكلما مررت بشجرة كنت أهيجّ عصافيرها وطيور القماري لأتلذذ بأصوات تصفيق اجنحتها مثل تصفيق التلاميذ في المدرسة عندما تطير من أغصان الشجر . كل جيراننا أتوا لاستقبالنا ولتهنئتنا بسلامة الوصول . وهكذا بدأت أتقلم مع بيئتي التي غادرتها قبل شهر وأكثر ، لأستدرك كل ما وقعت من أحداث في غيابي ولم أجد تغييرا يذكر . جدي رحمه الله ، وصل متأخرا الي منزلنا وهو يحمل لنا بعض من الرطب والعجوة قطفها من نخيله في (أدمن إركي) ، فجلسنا نأكل منها مع شاي اللبن وسألنا عن الخالة وهي في نفس الوقت ابنته وعن حالها وبنتها الصغيرة وأهل (ويسي) نسائها ورجالها ، وعن أهل فرص كيف تركناهم .
جدي كان يملك كثيرا من الأراضي ومزارع النخيل ما بين (فرا دوي ) وشمال أرقين ، وكلها كانت مسجلة باسمة (ملك حر) . وأخبرنا بأن محمد سليمان تبد من عائلة تبد المعروفة في اشكيت وهم صاغة ، قد اتفق معه علي استئجار أرضه في (أراش إركي) كمضرب لمضخة كبيرة سيحضرها لإنشاء مشروع زراعي في منطقتنا لري الأراضي البعيدة عن النيل واستغلالها في زراعة المحاصيل الصيفية والشتوية علي أن تتجه الترعة الرئيسية الي شمال وجنوب (اراش إركي) للاستفادة من أكبر مساحة واستخدام بعض الفلاحين الذين كانوا يقطنون شمال المنطقة كأيدى عاملة مهرة في مجال الزراعة أذكر منهم منصور وشقيقه عثمان . كان ذلك هو النبأ الرئيسي الهام الذي لفت نظري ، ذلك لأننا ومعنا بقية أطفال الحي كنا بخطط الأرض أمام منازلنا في شكل مزارع بأحواضها وجداولها دون أن ندرك بأن ما نفعله سيصبح يوما ما حقيقة واقعة وها قد صدقت نبوؤتنا علي حسب النبأ الذي ذكره جدي الآن . ونواصل انشاء الله

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (19) :

حكايات من الماضي البعيد (19) :

ما أطول الليل بنجومه وكواكبه ، يبدو لي وكأنه قد تسمر في مكانه لإغاظتي لأنني انتظر شروق الشمس في شوق لنبدأ رحلة العودة إلي ارقين . كنت أراقب جرائد النخلة في فناء البيت وهي تتماوج مع النسيم الهادئ يمينا ويسارا دون صوت مستلقيا علي برش ملون فوق سرير منسوج بجرائد النخل غاير عابئا لخشونته . أتخيل السهل الرملي الذي سنقطعه سيرا علي الأقدام حتى نبلغ نقطة الحدود . أخذتني سنة من النوم ثم استيقظت علي صياح (ديك) الخالة . تبعه آخرون ، وملأ صياحهم كل الحيّ . لاحظت أن بعض الديوك في صوتها (بحة) ، لكن لم تكن تلك البحة مهما بالنسبة لي . لقد كانت غايتي أن يصبح الصباح فقط . وصياح الديوك يعني أن الفجر قد أوشك . هدوء الليل والمكان يسنح لنا وقتا للتأمل في جمال السماء ، أرقب النجوم بأنواعها ، والكواكب التي تتمايز عن النجوم ببياض لونها . لما كبرت عرفت لماذا تغني المغنون بالليل بقمره ونجومه وكواكبه . 

ها قد أقبل الصباح ، وتحركت الكائنات ، وعادت الهوام إلي مساكنها تاركة آثارها علي الرمل . تبينت الموقف جليا ، فوجدت الخالة تحلب لبن المعيز والوالدة قد أوقدت النار بفروع أشجار ناعمة نسميها بالنوبية (سنتين إيق) . بعد قليل استنشقت رائحة الشاي الزكية تفوح من جهة المطبخ لتعم فناء البيت . قمت من سريري وتمشيت قليلا ريثما يتم إعداد الشاي لكنني في الحقيقة كنت انتظر إشارة أو علامة تؤكد أن رحلتنا قائمة دون تأجيل . شربنا شاي الصباح ثم تنحنحت علني أجد ردا علي سؤالي المكتوم . نظرت اليّ الخالة وقالت لي خلاص سوف أسافر معكم ولكن إلي فرص فقط ، وأنتم ستواصلون رحلتكم إذا وجدتم وسيلة مواصلات ، ثم أردفت قائلة : هنالك مناسبة زواج في ( واحيا) اسم مكان جنوب فرص مباشرة وتعني (الواحة) . كدت أطير فرحا عندما سمعت ما قالته الخالة ، وقلت لها متى سنتحرك ؟ قالت بعد الفطور لأن نساء القرية سيحضرن لوداعكم .

أخذت الخالة في وضع أشياء في مقطف كان زعفه المصنوع منه ملون بالأخضر والأبيض وأنا أراقبها من بعيد ، فوضعت فيها أشياء عينية من الحبوب النادرة في أرقين بالإضافة إلي راسين سكر ، ثم أهدت لي مطرقة (شاكوش) مصنوع من الحديد خصيصا لتكسير رأس السكر وكنت فرحا به أكثر من السكر نفسه . بعد قليل بدأت النسوة يتوافدن وكل واحدة منهن تحمل هدية ، والبعض منهن يضعن شيئا في جيب الوالدة وهن يعتذرن لها لأنهن ما قدرن عمل شيء لها وكانت الوالدة تتأفف من ذلك وترفض لكنهن كن يحلفن بالله العظيم بان لا تردهن . امتلأ البيت بالنساء وتعالت أصواتهن ليحدث ضجيجا في الفناء الذي كان ساكنا قبل قليل سكون الليل . ثم حضر الخال صادق محمد مع زوجته مودعين . تناولن الفطور الذي أخضرنه معهن من بيوتهن مع (ترامس) الشاي ، وبعدها بقليل خرجن جميعهن إلي خارج البيت وبدأت مسيرتنا وسرن معنا مسافات ولم يتوقفن إلا بعد أن حلفت الخالة والوالدة عليهن بالعودة شاكرين لهن سعيهن بقولهن (المودع ما موصل) ، أما الخال صادق محمد ، فقد واصل معنا المسير حتى نقطة الحدود ثم ودعنا ووضع في يد الوالدة شيئا وأيضا دسّ في جيبي شيئا لم أتبينه إلا في فرص . لقد كان المشهد رائعا ، عكس كل طيبة وكياسة النوبيين وتعاضدهم وتكاتفهم مع بعضهم لدرجة أنني رسمت في خيالي صورهن جميعا في فناء البيت الواسع تتوسطهن النخلة التي طالما كانت رفيقتي في الليالي التي قضيتها في القرية الصغيرة (ويسي) ، فيا لها من ذكريات لا تزال تعشش في ذهني رغم مرور كل هذه السنوات . ونواصل إنشاء الله

ذكريات من الماضي البعيد (18) :

ذكريات من الماضي البعيد (18) :
ما أجمل ليالي الأنس في النوبة بعد وجبة العشاء ، فهو ترويح للنفس ومجلس للثقافة والعلوم ومعرفة للأخبار وفي نفس الوقت تواصل اجتماعي . فاطمة عائشة عادت من شفخانة فرص بعد أن تلقت العلاج علي يد الدكتور داؤد جمعة ، هكذا كان يلقب عمنا داؤود رحمه الله وطيب ثراه . حملوا فاطمة عائشة علي حمار وعادت وهي تسير علي قدميها . كان مرضها مجرد (مقص) وعلاجها حقنة في الوريد أذهبت الألم في دقائق . كل أهل القرية كانوا فرحين بشفائها وتوافدوا بالليل إلي بيتها لتهنئتها بالشفاء من ذلك المقص اللعين . ليلة الأنس في هذه الليلة ستكون أمام بيتها بمناسبة شفائها . كانت تستقبل الناس هاشة في تلة الرملة أمام منزلها . كل المهنئين جلسوا علي الرملة إلا من كان له عذر أو سبب يمنعه من حضور جلسة الأنس الكبيرة في تلك الليلة علي غير العادة . أعجب ما في أمر النوبيين في ذلك الزمان ، أنه لا فرق بين رجل وامرأة . تسود بينهم الألفة والمودة والاحترام خصوصا لكبار السن من الرجال والنساء ، وعندما يتحدثون يستمع إليهم الجميع ، أحاديثهم درر ، وتعليقاتهم حكم . قلوب نظيفة بيضاء تماما مثل بياض الرملة التي نجلس عليها وتستمد بياضها أكثر بانعكاس ضوء القمر حتى أننا كنا نرى مسافات من مجلسنا وما يتحرك عليها من حيوانات نتبينها بسهولة من شدة بياضها . حاج أحمد صاحب النوادر والذي قضي سنين طويلة في قصر الملك فاروق كان سيد الجلسة . روي كثيرا من التجارب التي مر بها في حياته في كل مناحي الحياة . في الصحة
والمرض ، وتحدث عن مسببات كثير من الأمراض المعروفة مثل (الكوفار) وبالنوبية يسمي (ورتاب) ويعالج بفصد جنبتي الساقين بالموسي شريطة أن تكون جديدة ، بعدها يسيل دم اسود اللون وينظف مكان سيلان الدم بزعف النخلة ثم يقوم المريض بإخراج هواء كريه من بطنه بواسطة الفم ( يترّع) وبذلك يكون قد شفي تماما ، والكوفار نوع من التسمم يصاب بها المرء غالبا إذا أكل من (الدفيق) المتساقط علي الأرض ، والدفيق ويسمي أيضا ( دفّي ) مرحلة ما قبل اصفرار البلح حيث يكون صغير الحجم وأخضر اللون .
كل هذه المواضيع مطروحة للأنس بينما كان عقلي يسرح مع أحداث الغد المتوقعة لأنني مغادر مع الوالدة إلي فرص ومنها إلي وطني الصغير . نظر اليّ حاج أحمد قائلا : إزيك يا ابني ، ما شاء الله لسع موجودين معانا ؟ خالك صادق ما قال ليّ . أجبته غدا سنغادر إنشاء الله . ثم وجه السؤال للخالة : ليه الجماعة ديل مستعجلين للعودة . صممت الخالة برهة ثم قالت له ( مان شبرن أوكي) مستعجل للعودة . شبرن أوكي ترجمتها الحرفية أيادي القفة (المقطف) أو أضان القفة ، لكن معناها بالنوبية يعني شيء آخر تماما ، فهو ترميز لشخص معين معني بالموضوع ، وفي هذه الحالة ، الشخص المقصود هو (أنا ) ، ولا تريد الخالة التصرّيح باسمي ظنا منها بأنني لن أفهم مدلول الرمز . هنالك رموز أخرى كثيرة يستخدمها الناس في بعض الأوقات حسب الحالة مثل (مان إباريي) ، العبارة ديك ، وهو موضوع معروف للبعض ، وغير معروف للبعض الآخر الغير معني بالموضوع . ومن تجربتي الشخصية ، خلصت إلي أنه من الخطأ أن نعتقد بأن الأطفال لا يفهمون كثيرا مما نقوله أحيانا دون مراعاة لوجودهم معنا إذا كان الحديث لا يليق بهم ولا يسمح به الذوق العام التفوه به أمامهم ، فهم يلتقطون كثيرا منها ويؤولونها علي حسب قدراتهم .
مع رد الخالة لشيخ أحمد ، بعض النسوة سألن والدتي عن مدى صحة خبر مغادرتنا للقرية فلما أجابتهن ب (نعم) ، قلن سوف نرى الأمر غدا إنشاء الله . ونواصل إنشاء الله .

الاثنين، 18 أغسطس 2014

وضاعت الأيام (57) :


نقلا من صفحة نخيل النوبة فرع ارقين 
من كتابات الفذ سيد ابكر سلسة من حلقات وضاعت الايام 

وضاعت الأيام (57) :
ليس بالبندقية وحدها يقاتل الجنود ، بل بكل ما تعلموه من فنون وأساليب القتال المتاحة . هذه قاعدة عسكرية نطبقها عندما نقاتل دفاعا عن أنفسنا وأوطاننا ، بل ربما قاتلنا بأسناننا وبسيف العشر إذا اضطررنا ، لكننا لا نستكين ولا نستسلم أمام جبروت القوة ووحشية السلطة ، هذا ديدننا وحالنا علي مرّ الزمان . سيل المواكب والمظاهرات التي عمت وادي حلفا في أوائل الستينات ، كانت تجسيدا للرفض الكامل للاضطهاد والظلم الاجتماعي ، كما أنها وحدت النوبيين في صفوف تراصت ضد اعتي حكومة عسكرية عرفها السودان بعد خروج المستعمر . ألهبت مظاهرات النوبيين حماس كل القوى التي كانت تعارض الحكومة سرا ، ورفعت الحس الوطني لطلاب الجامعات والمعاهد العليا ، فطرحت ولأول مرة في أركانها قضايا سياسية خطيرة للنقاش لم تكن في مقدور الأحزاب والتنظيمات السياسية التقليدية المعارضة للحكومة تنظيمها . ما يجب أن لا ينساه التاريخ ، ولا يتجاهله كما حدث من قبل ، أن النوبيين في الشمال ، هم أول من تحدوا الرصاص وابتكروا فن التقاط القنابل المسيلة للدموع وإلقائها في شاحنات الكومر التي كانت تقل قوات الأمن . قعقعة السلاح وهدير المجنزرات وطوابير الجنود المدججون بالسلاح وعرض القوة لردع كل من تسوّل له نفسه (عبارة مشهورة للفريق إبراهيم عبود) القيام بنشاط مضاد أو إعلان الحرب علي الدولة ، لم يهتم لها أحد من النوبيين رغم خطورة هذه المزاعم التي صيغت ببراعة . فما كان من السلطة إلا استخدام سياسة (فرّق تسد) وهي قاعدة سيئة الصيت وقديمة قدم الإنسان ، وبالإغراءات المادية استطاعت أن تفرق الكلمة وتخترق الصفوف ليصبح التهجير واقعا بدعاوى أطلقوا عليها زورا وبهتانا لفظ ( تضحية النوبيين من أجل الوطن) . 

ما الذي تبقي لنا لنفعله ولم نفعله ، كانت الطبيعة الخلابة تشكل بعدا أساسيا لحياتنا وشخصيتنا النوبية المتميزة أصلا . كانت وادي حلفا علي شاطئ النيل بمبانيها متعددة الطوابق بيضاءه اللون كعروس زفت إلي النيل يوم سبوعها من تاريخ زواجها الميمون ، تحيط بها صويحباتها عن اليمين وعن الشمال . وكانت وادي حلفا مثل تلك العروس تحفها القري من شمالها وجنوبها بمزارعها الخضراء ، وبحدائقها الغناء ، تصاحبها زقزقات الطيور وأسراب الفراشات علي زهورها ونوارها . كانت صور أشجار النخيل والمانجو والجميز والسنط ، تنعكس علي النيل وتعانقه . ولقد ساهمت هذه الطبيعة الجذابة الجميلة الأنيقة في مقاومة الظلم الذي حل بنا ولم تبخل . لقد فجرت كوامن الشجن وأخرجت من أعماق الشعراء والفنانين إبداعات وكلمات وفن تحدي البندقية وكل آليات السلطة القمعية . (أشدو يا حلفا ، أرض سما آقجنا ) ، غناها صالح ولولي وأثار بها مشاعر النوبيين وحواسهم ، اضطر معها المعتمد حسن دفع الله رحمه الله إلي استدعائه وتحذيره ، لكنه لم يهتم بالوعيد والتهديد فظل يغني ضد التهجير كما غني بالرمزية ، وعندما تقرر تحويل الباخرة الثريا من حلفا إلي مصلحة الوابورات بالخرطوم بحري ، غني ولولي في ذلك اليوم وودعها قائلا ( عديله يا باخرة الثريا إن فراق ايلندو صعبا ) وداعا أيتها الباخرة الثريا ، إن فراقك يمزق قلبي . ثم جاءت ملحمة أرقين ، للشاعر الفذ محمد سليمان حسين ، فقد كانت ارقين رمزا للنيل والنخيل والقرى النوبية والذكريات الجميلة والماضي التليد والحاضر العريق . ثم تتابعت الإبداعات في المحس والسكوت وأغنيتهم المشهورة ( قربلون جناكوقن ، خشم الجنة آكقون ، وردلن زهوردن ، كتا منجا آقا أركونق ، حلفا يا بلادوني) لو خشم القربة أصبحت جنة في الأرض ، ولو بها أبواب الجنة ، ولو تعانقت ورودها وزهورها وتراقصت ، حلفا هي بلادنا . وغني الفنان الراحل محمد وردي باغنيات نادرة تغنت بها بقاع النوبة شمالها وجنوبها .كما ساهم فنانو النوبة المصرية ايضا بروائع ا لغناء في التنديد بالسد العالي وبالتمسك بحب بلادهم مثل الشاعر الفنان مصطفى عبد القادر (اشدوا وايلونا جرحقا فيا منجن نوبا) و (اى فجولين باينا) والفنان سيد جاير (وو حنينا اركى نوبيى وو حنينا) ومن حلفا دغيم الفنان شريف سعيد الذي غنى كثيرا (للنقديين) الذين رفضوا الهجرة وآثروا البقاء يحلفا (اسكانا برندل طراولا) . ومن الشعراء الشاعر علي صالح داؤود ، في قصيدته أه علي حلفا ( ما لقومي تأهبوا للرحيل ، وناوا عنك يا عروس النخيل ) ، وقصيدته لا عاصم اليوم من مياه البحيرة ، وقد صاغها لصديقه الشيخ صالح عثمان رحمهم الله جميعا الذي كان يرفض مغادرة أرضه شكلا ومضمونا ن وتبدأ أبيات القصيدة بـ ( ويلك اليوم من بحيرة ناصر ، أركب الفلك مستجيرا وسافر ، لا تقولن سوف آوي لصخر يعصم الناس من عباب زاجر) . والشاعر إبراهيم عبده الذي أبكي الناس بقصائده عن ضياع النوبة ، ولعل أشهرها ذلك الحوار الذي دار بين الطفلة ووالدها حينما سألته أين تضع مفتاح الباب ، فرد عليها لا ضرورة لذلك لأننا لن نعود إليه أبدا . 
والي.........................لقاء

الأحد، 17 أغسطس 2014

صفحة نوبيون حتي النخاع علي الفيس بوك

https://www.facebook.com/Nubianpharaohs

ادخل وتابع اخبار النوبة  علي نوبيون حتي النخاع انة منبر نوبي يوضح ويعلم ويوجة ويثقف الاجيال فلك المشاركة

السبت، 16 أغسطس 2014

المؤتمر النوبي الجامع

الرؤية...............................
الدعوة لمؤتمر نوبي جامع ..... ....
خمس خطواط ستقود الحلم النوبي لبر الامان .....


ان الدعوة لذاك المؤتمر الحلم ليس مستحيلا في ظل هذة الصحوة التي تهذ جسد النوبة الزي كان ينوم في ثباتة العميق وعلينا ان ننفخ في الصور نفخة واحدة لتستيقظ النوبة كلها ويحشرون ضحي وضحي هنا حيث تتضح الرؤية للجميع ليعرف الكل ان هذا الجمع ليس بسحر ساحر ولاحلم حالم ولا سراب انكسار علينا ان نضع الخطوط الحمراء في ليلة بيضاء لتوقيف كل الكارهين والمارقين والسارقين والفاتنين والحاقدين في حد الجد واظهار التاريخ المسروق والمخطوط حسب الهوي مع نكران الهوية والحضارة التي بنت وعلت فتركت من خلفا الاجيال الزي يهيمون حبا فيها ويزوبون عشقا بها 

............................... فخطوة لتحديد من المعني ومن الزي سيشهد ميلاد تلك اللحظة من مثقفاتية ومتعلمين كبارنا وصغارنا بكل اطيافنا من اقصي النوبة الي ادناها فقط نوبي ستكفل لك الحق علي ان تشهد ذاك الموقف العظيم


............................ خطوة ثانية تحديد الزمان والمكان المناسبين لزاك المحفل المقدس الزي ستتحدث عنة الاجيال كتاريخ ثابت ولن يترك لمحرف ومخرف ومخرب وواسع العقل ان يعبث بة كما تم العبث بتاريخ حضارة فسٌرقت ونُهبت حتي في عاداتها ومعتقداتها حتي في ابسط حروف لغتها
.......................... خطوة ثالثة تحديد المتحدثين ومحاور التحدث وشعار المؤتمر واهدافة فلاتترك شاردة ولاواردة لتخرج الجمع من لب الموضوع واستهداف الهدف الزي جمع الخلق
......................... خطوة رابعة تحديد بعض العقول النيرة التي ستتجمع وتفكر وتدبر وتخطط وتنسق وتعمل بجد واجتهاد دون كلل وممل علي ارساء دعايم التوحد والتكاتف والتواصل ان عشرون من الافراد شيبة وشباب من كل الاطياف المثقفة نساء ورجال سيشكلون النوة للنوبة سيشكلون الخطوة الاولي التي ستتحرك نحو الحلم وتحرك معها حضارة عشر الف سنة عشرون منهم القانونيون والاداريون والاطباء والمهندسين والاعلاميون عشرون فقط بفكارهم النيرة يمكنهم ان يكونو اللبنة التي ستبني للنوبة مجد جديد وتعيد لها مجدها المفقود سيضعو خططهم وافكارهم وافكار غيرهم قيد التحقيق والتنفيذ

.................... الخطوة الخامسة تعيين خمسة من كبار القوم كبرلمان بخبراتة في الحياة خمسة من الكبار للتوجية والاستشارة والمراقبة والتدقيق في ماسيفعلة العشرون ومافعلوة انجازهم ولو لزم الامر عليهم بجتثاث الاورام المسرطنة التي تقف عثرة في اعقابهم
........ ان الامر برمتة عبارة عن حلم يتكون من خمسة نقاط فهل هي مستحيلة او صعبة المنال...؟؟؟؟؟ اجتماع اهداف اختيارة مجلس عشريني او كما يراه الجمع اختيار مجلس شيوخ وكبار للتوجية والارشاد هم من سيتحدثو باسم النوبة والنوبيين وسيفعلو الكثير الكثير فقط الارداة العمل المثابرة الاصرار
(وعاشت الثوابت النوبية) علي قول قدوتنا و مفكرنا عبدة سليم