الاثنين، 11 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (8) :

عاد الجماعة من صلاة العشاء وبرفقتهم شيخنا إمام المسجد . ألقوا علينا السلام سنة الإسلام، ردينا عليهم السلام، ثم اتجه الإمام نحوي وسلم عليّ وهو يبتسم في ، ولقد تبينت خلال ذقنه خلو فكه الأعلى من بعض الأسنان في واجهة الفم . بادر شيخ أحمد بالاعتذار بأنه لم يتمكن من المجئ إلي الجامع بسبب الألم في ركبتيه . رد عليه شيخ حسن قائلا : أنت المشيته شويه ؟ رد شيخ أحمد هاتفا حسبنا الله ونعم الوكيل صلي علي النبي يا راجل ، وضحك الجميع لأن شيخ أحمد خاف من العين رغم عمره الكبير . بدأ الخال في تعريف الجماعة بشخصي قائلا لهم ، هذا الصغير ابن أختي جاءوا لزيارتنا من السودان . استفسر الإمام من وين في السودان ، أنت يا صادق عندك أهل هناك ونحن ما عارفين . رد الخال، كلكم عندكم أهل وأقرباء هناك ، ثم أردف قائلا : ابن أختي جاء مع أمه من أرقين لزيارتنا . رحب الجميع بزيارتنا لقريتهم ، ثم بدءوا يسألونني عن ارقين وبعض أهل ارقين وعن الحال والوضع عموما ، وعلق شيخ حسن بان ارقين مشهورة وكلنا إن لم نزرها نعرفها . رد عليه شيخ أحمد ، وين شفتها ، طول عمرك طافش في مصر وجيت قريب ترتاح هنا معانا في القرية . رد شيخ حسن ، ما أنت العلمتنا الشغل في مصر . عليك الله يا شيخ احمد كده أحكي قصتك مع المرأة الفلاحية عملت معك شنو بعدما تجوزتها . شيخ أحمد قال ، يا راجل ما تخلي العيوب مستورة . عندما سمعت هذا الحوار الساخن بين الرجلين ، تمنيت لو أنه سرد الحكاية بتفاصيلها ، ولقد كدت أصرخ يا شيخ أحمد عليك الله تحكيها ، لكنني راجعت نفسي واستحييت لصغر سني وبلعت أفكاري في جوفي منتظرا ما سينجم من حوار الرجلين .
اعتدل شيخ أحمد في جلسته ، وقال : كنت أعمل في قصر الملك فاروق راضيا مرضيا ، تجرى الريال المجيدي والجنيه في يدى جريان الماء علي الجدول لتستقر في جيوبي . كثر مالي فاشتريت عقارا يسترني من إيجارات الشقق ، وسكنت فيه ، ومضت الأيام لصالحي فاشتريت بيتا آخر من أربعة طوابق وأصبحت من أصحاب الأملاك في أمبابة . كل هذا الخير والنعيم وزوجتي ابنة عمي هنا في البلد تحش الكشرنيق وتعوس الكابيدة لتتغذى وتغذي أطفالها . كبرت تطلعاتي فتقدمت لفتاة أصولها من الفلاحين وسرعان ما وافقوا علي تزويجي بدون تاخير . عشنا في المنزل الذي اشتريته وأنجبت معها ولدا وبنتا . كانت أم الزوجة تقيم معنا ، وكلما أحضر من العمل وبيدى أكياس الفاكهة والفراخ تغني لي وتالف القصائد لتمجدني بها . استغفر الله ، كبر العيال والتحق الولد والبنت بالجامعات ، ثم دارت بنا الدوائر بعد انقلاب محمد نجيب وجمال عبد الناصر ونفي الملك فاروق إلي الخارج . أوقفنا من العمل وصرت عاطلا ، غير أن إيجار العمارة كانت تستر حالنا . شعرت بأن أم زوجتي أصبحت تكرهني وترجو رحيلي ، وكل مرة كانت تقول لي يا شخ ما تروح البلد وشوف عيالك ، وأقول لها نعم حاضر . ذهبت إلي بعض سماسرة العقارات وبعت المنزل والعمارة ثم حولت المبلغ للبلد ، وطلبت من المشترين إمهالي في البيت لمدة شهرين . ذات يوم ودعتهم قائلا : أروح البلد علشان أشوف أولادي وارجع لكم . فقالت أم زوجتي ، لا ترجع ليه ارتاح هناك ما أنت خلاص كبرت. سافرت وركبت الباخرة وجئت إلي أم أولادي ، وبعد شهر ذهبت المرأة الكبيرة لاستلام إيجار العمارة وصدمت عندما علمت إنني بعتها قبل سفرى . أرادت أن تستكفي بالمنزل ، وفي الشهر الثاني جاءهم المشتري وأخرجهم من البيت . أم زوجتي أرسلت لي خطابا مع المعارف تقول فيه : لم نكن نتوقع منك ما فعلته علي الأقل في حق أولادك . رديت عليها البادئ اظلم ونحن مش مغفلين عشان تستكرتونا يا حلب ، فضحك الجميع من لباقة تصرفه . ثم التفت شيخ أحمد إلي الخال قائلا : العشاء فين يا صادق . ونواصل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق