الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

حكايات من الماضي البعيد (23) , (24)

حكايات من الماضي البعيد (23) :



عبر محمد سليمان تبد النيل ووصل الي قريتنا لإجراء المعاينة الأخيرة لموقع المضرب الذي سيثبت فيه المضخة وبعدها عاد مجددا الي اشكيت . يبدو أن الفكرة قد راقت له تماما . كنا نحن الصغار علي عجلة من الأمر لتركيب المضخة وشق الترع والقنوات التي طالما اكتسبنا خبرة في تخطيطها أثناء اللعب أمام منازلنا الطينية . بعد ايام ، وصلت مجموعة من العمال من صعيد مصر ، وعلي الفور بدءوا يقتلعون أشجار السنط الضخمة التي تعترض خط الترعة الرئيسية المتجه من المضرب علي النيل والي الغرب بحوالي نصف كيلو متر . لأول مرة نشاهد كيف يقتلعون الأشجار الضخمة من جذورها ، فقد حفروا حفرة اشبه بالبئر حول الشجرة المسكينة بعمق متر ونصف تقريبا ، ثم قطعوا جذورها وربطوا الشجرة بحبل طويل وأخذوا يجرونها الي ان سقطت الشجرة ومالت علي الأرض . وبعدها أخذوا الفئوس وقطعوا أغصانها ثم أعقابها داخل الحفرة ، وهكذا وضعوا حدا لحياة تلك الأشجار الضخمة التي شهدت مولدنا وأيام طفولتنا .
بدأ العمال في حفر الترعة الرئيسية ، ولا حظنا أن الترعة كانت مرتفعة عند المضرب ويتضاءل ارتفاعها كلما امتدت غربا لتتفرع الي الشمال والجنوب . ثم جاءوا بالمضخة وتم تركيبها ، وذبحوا الذبائح يوم أن ضخت الماء وملأت الترعة وانساب الماء رقراقا وتحولت يمينا وشمالا في اراضي لم تذق طعم الماء من قبل إلا رشات امطار خفيفة تتساقط علي شكل نقاط علي الرمل كانت تزورنا في شهر مايو من كل عام مع قوس قزح كان يغطي سماء الصحابة واشكيت . وحينها كنا نحمل الصفائح المعدنية ونسير في طوابير مع زخات المطر ونحن نغني ( أمبور أمبور كوبي كوبي ، سولق نويلوق كوبي كوبي ) . مسكينة الساقية والشادوف أدوات ريّ الأراضي التي استخدمها أباؤنا وأجدادنا منذ فجر التاريخ ، آن لها الآن أن ترتاح من عناء السنين ، فقد جاءت المضخة الميكانيكية التي تعمل بزيت (الديزل) . كان المسئول عن تشغيل المضخة رجل يدعى عبد المنعم ، جاء به محمد سليمان تبد . وزعت الأراضي علي المزارعين وبدءوا بمحصول الذرة الصيفي ، وكم كان منظره جميلا بسيقانه الغليظة الطويلة وأوراقه الخضراء العريضة ، والأجمل من كل ذلك عندما أخرجت قناديلها مارة بكل المراحل : شرا ثم لبنة ، ثم ثم استواء كامل . في مرحلة اللبنة ، كنا نطارد العصافير ، وعندما تكون بعيدة كنا نستخدم بما يسمي بـ (التوقج) ، ثلاثة حبال بطول متر تلتقي أطرافها بشبكة دائرية صغيرة لا تتجاوز عشرة سنتيمترا يوضع فيها حجر ثم ندور بها في الهو ونطلق حبلا من حبالها وينطلق الحجر الي حيث توجد العصافير فتفر جميعها عندما يقع الحجر بالقرب منها .
بهذا المشروع الصغير المروي ، انتقل مجتمعنا الصغير من الزراعة البدائية الي زراعة متقدمة تتبع فيه الدورة الزراعية بطريقة عفوية ، وشهدت منطقتنا وفود عمال من خارج أرقين ، من دنقلا وغيرها من المناطق البعيدة وقد ساهموا كثيرا بخبراتهم وثقافاتهم ومعارفهم الزراعية في تنظيم ا لأحواض ورفع (التقاند) وإصلاح قنوات الري ، وبنوا رواكيب لهم وسط المزارع وأسسوها بأسرة الخشب والمقاعد وكل الضروريات التي تلزمهم . كان من أكثر السكان الذين اندمجوا مع أولئك العمال جدنا فرح محمد عيسي (فرح شميشة) ، وكان رجلا ذو نوادر وحكم ، وبفضله سرعان ما ألف العمال منطقتنا وصاروا جزءا منها . ونواصل انشاء الله


حكايات من الماضي البعيد (24) :

ما أجمل الخلوات العامرة بالناس في أوقات المقيل وأمسيات الأنس ، أراضي رملية بيضاء طاهرة . أصبحنا نتجمع كل ليلة علي ربوة الرمل الناعمة بعد الكد والعناء اليومي في مزارع الذرة التي اصبحت جزءا من حياتنا . شكرا لمحمد سليمان تبد صاحب فكرة المشروع ، وشكرا لعبد المنعم ظرافة الأسطى المسئول عن تشغيل المضخة . وشكرا لعمنا الراحل حسن صالح آدم الذي كان يعلمنا كيف نصطاد الجراد ونشويه ثم نلتهمه بمذاقه اللذيذ تماما مثل شرائح البطاطس الرقيقة . مشكلة واحدة فقط تسبب فيها المشروع ، وهي مشكلة البهائم والحيوانات التي تلتهم أوراق نبات الذرة وأصحابها في غفلة . لكن أمكن حلها بتحديد أماكن لرعيها جنوب المشروع في مساحة من الأرض كنا نسميها (كترجي) ، ويبدو أنها كانت تتبع لعائلة الكترجية لكن أحدا لم يستثمرها لا في ريها بالسواقي ولا بزراعة جروفها . التداخل السكاني بين شمال أرقين ووسطها كان واقعا ومعروفا ، وعندما نجد النساء قد ارتدين الجرجار ووضعن الطرحة علي رؤوسهن ومن فوقها (الشقة) ، فاعلم أن هنالك أمر جلل قد حدث . وفعلا كنا نسمع عن خبر وفاة ، وكانت الوفيات تحدث في فترات متباعدة تعد بالسنين ، وأحيانا بعد عشرة سنوات وأكثر ، لذلك كان الناس يؤرخون للأحداث بموت فلان أو بفيضان 1946م ، وغيرها من الأحداث .
نمو المشروع الزراعي ساهم ايضا في تقوية الروابط بين الناس ، فقد كانت نساء ارقين وسط يأتين في كل الأوقات صباحا أو عصرا لحش القش لأغنامهن ومسألة الأكل والشراب بعد رحلتهن الطويلة لم تكن مشكلة في يوم من الأيام ، فكن يدخلن في أي بيت وإن لم يجدن أصحاب البيت يدخلن المطبخ لإعداد وجبة طعام سريعة أو لإعداد الشاي الذي كان تناوله مقدسا عند النوبيين . آلة النورج ، آلة مصنوعة من الخشب اشبه بالدبابة ، وأسفلها كمية من الصاجات مثل صاجات (الديسك) التي تستخدم في المشاريع المطرية ، كانت هذه الآلة تستخدم لدرس القمح والذرة . أول من أحضرها هو ابراهيم صالح آدم ، الذي كان قدم حديثا من مصر ليستقر بأرقين بعد أن قضي جل فترة شبابه في مصر . منظر الترعة الرئيسية المليئة بماء الري كان منظرا مألوفا لدينا نحن الصغار ، فقد كنا نصنع مراكب من الخشب ونعلق عليها أشرعة صغيرة ونتركها تطفو ونتسابق بها في مياه الترعة تقليدا للكبار . كانت السلطات في وادى حلفا تنظم مهرجانا سنويا لسباق المراكب ، فكان الناس يتابعون ذلك السباق مع تشجيع أصحابها للفوز ، وكان هنالك كأس وجائزة مالية تسلم لمن كان ترتيبه الأول في السباق ، كان ذلك السباق هو الذي كنا نقلده في مياه الترعة الرئيسية .
مرت بنا الأيام علي هذا المنوال ، غير أن عبد المنعم ظرافة استقال من مهمة تشغيل المضخة ، فجاء بدلا عنه عمنا رحمه الله حسين عابدين ليكون مسئولا عن تشغيل المضخة ، ولم تلبث أيام حتى كان واحد منا . كان عمنا عثمان حسب الله الحارس (الخفير) في الغرفة المشيدة للمضخة . عمنا عثمان حسب الله قضي جل عمره في مصر ، وكان متزوجا من خالتنا زينة فرح وبالنوبية (سينا فرح ) والدة محمد ومرغني عثمان حسب الله . عمنا عثمان كان ممثلا بارعا في التمثيليات التي كانت تعرض في نادي (أمبي) ، ودائما ما كان يمثل دور الشرطي محتفظا بزى الشرطة المصرية ، ويبدو والله أعلم أنه كان يعمل في الشرطة المصرية . تطورت العلاقة بين عمنا عثمان حسب الله وحسين عابدين ، حتي زوجه ابنته الكبرى طاهرة عثمان وقد توفيت رحمها الله في منصف السبعينات بعد أن انجبت معه أبناءها الفاتح وسمير واثنين من البنات . ونواصل انشاء اهاء

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

حكايات من الماضي البعيد (22) :

حكايات من الماضي البعيد (22) :
( أول خطوقا آيل أدونقل تاتسي) ، مطلع قصيدة لابن أدونقا الأديب الشاعر كمال عبد الحليم متعه الله بالصحة والعافية . نزلنا من مركب جدنا عابدون جبارة ، وأخيرا وطأت أقدامي أرض أرقين فغرستها في رمال (أدونقا) الباردة تحت شجرة الجميزة الضخمة إمعانا في اقناع نفسي بأن ايام الغربة قد ولت وأصبحت في موطني . الجميزة الضخمة هي جميزة السيدة النوبية فاطمة حجة ، وللجميزة انطباعات خاصة في الذاكرة لطالما لمت شمل الأهل في مناسبات الأعياد من كل عام لتناول الفطور الجماعي والثرثرة علي ظلالها بالقرب من (القيف) الرملي المنحدر الي النيل الخالد . شربت كوبا من ماء الأزيار المشبعة بالرطوبة والمثبتة علي جزع الشجرة الضخمة ، فارتويت بـ (الكوز) النحاسي (صنع مصر) الذي حول لون الماء الي لون زيتي حتى رشح العرق من مسامات بشرتي . (سلام ، ويفي جرو ، كودي منو ، سيدتون داجرو ) ، استفسارات تلقتها الوالدة من بعض نسوة (أدونقا) ، فاطمة حجة وهانم قاقا ونبوية بيكيا ، لأنهن كن قد رأين رسو المركب بالقرب من الجميزة ونزولنا منها . ردت والدتي عليهن السلام وعرفن منها أننا قادمون من أرض مصر عبر الحدود ، فتعجبن من الرحلة الطويلة التي قطعناها حتى وصلنا الي وطننا الصغير . واصلنا سيرنا للمنزل من خلال غابة تشكلت من اشجار الأثل والسنط وقليل من النخل ، وكلما مررت بشجرة كنت أهيجّ عصافيرها وطيور القماري لأتلذذ بأصوات تصفيق اجنحتها مثل تصفيق التلاميذ في المدرسة عندما تطير من أغصان الشجر . كل جيراننا أتوا لاستقبالنا ولتهنئتنا بسلامة الوصول . وهكذا بدأت أتقلم مع بيئتي التي غادرتها قبل شهر وأكثر ، لأستدرك كل ما وقعت من أحداث في غيابي ولم أجد تغييرا يذكر . جدي رحمه الله ، وصل متأخرا الي منزلنا وهو يحمل لنا بعض من الرطب والعجوة قطفها من نخيله في (أدمن إركي) ، فجلسنا نأكل منها مع شاي اللبن وسألنا عن الخالة وهي في نفس الوقت ابنته وعن حالها وبنتها الصغيرة وأهل (ويسي) نسائها ورجالها ، وعن أهل فرص كيف تركناهم .
جدي كان يملك كثيرا من الأراضي ومزارع النخيل ما بين (فرا دوي ) وشمال أرقين ، وكلها كانت مسجلة باسمة (ملك حر) . وأخبرنا بأن محمد سليمان تبد من عائلة تبد المعروفة في اشكيت وهم صاغة ، قد اتفق معه علي استئجار أرضه في (أراش إركي) كمضرب لمضخة كبيرة سيحضرها لإنشاء مشروع زراعي في منطقتنا لري الأراضي البعيدة عن النيل واستغلالها في زراعة المحاصيل الصيفية والشتوية علي أن تتجه الترعة الرئيسية الي شمال وجنوب (اراش إركي) للاستفادة من أكبر مساحة واستخدام بعض الفلاحين الذين كانوا يقطنون شمال المنطقة كأيدى عاملة مهرة في مجال الزراعة أذكر منهم منصور وشقيقه عثمان . كان ذلك هو النبأ الرئيسي الهام الذي لفت نظري ، ذلك لأننا ومعنا بقية أطفال الحي كنا بخطط الأرض أمام منازلنا في شكل مزارع بأحواضها وجداولها دون أن ندرك بأن ما نفعله سيصبح يوما ما حقيقة واقعة وها قد صدقت نبوؤتنا علي حسب النبأ الذي ذكره جدي الآن . ونواصل انشاء الله

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (19) :

حكايات من الماضي البعيد (19) :

ما أطول الليل بنجومه وكواكبه ، يبدو لي وكأنه قد تسمر في مكانه لإغاظتي لأنني انتظر شروق الشمس في شوق لنبدأ رحلة العودة إلي ارقين . كنت أراقب جرائد النخلة في فناء البيت وهي تتماوج مع النسيم الهادئ يمينا ويسارا دون صوت مستلقيا علي برش ملون فوق سرير منسوج بجرائد النخل غاير عابئا لخشونته . أتخيل السهل الرملي الذي سنقطعه سيرا علي الأقدام حتى نبلغ نقطة الحدود . أخذتني سنة من النوم ثم استيقظت علي صياح (ديك) الخالة . تبعه آخرون ، وملأ صياحهم كل الحيّ . لاحظت أن بعض الديوك في صوتها (بحة) ، لكن لم تكن تلك البحة مهما بالنسبة لي . لقد كانت غايتي أن يصبح الصباح فقط . وصياح الديوك يعني أن الفجر قد أوشك . هدوء الليل والمكان يسنح لنا وقتا للتأمل في جمال السماء ، أرقب النجوم بأنواعها ، والكواكب التي تتمايز عن النجوم ببياض لونها . لما كبرت عرفت لماذا تغني المغنون بالليل بقمره ونجومه وكواكبه . 

ها قد أقبل الصباح ، وتحركت الكائنات ، وعادت الهوام إلي مساكنها تاركة آثارها علي الرمل . تبينت الموقف جليا ، فوجدت الخالة تحلب لبن المعيز والوالدة قد أوقدت النار بفروع أشجار ناعمة نسميها بالنوبية (سنتين إيق) . بعد قليل استنشقت رائحة الشاي الزكية تفوح من جهة المطبخ لتعم فناء البيت . قمت من سريري وتمشيت قليلا ريثما يتم إعداد الشاي لكنني في الحقيقة كنت انتظر إشارة أو علامة تؤكد أن رحلتنا قائمة دون تأجيل . شربنا شاي الصباح ثم تنحنحت علني أجد ردا علي سؤالي المكتوم . نظرت اليّ الخالة وقالت لي خلاص سوف أسافر معكم ولكن إلي فرص فقط ، وأنتم ستواصلون رحلتكم إذا وجدتم وسيلة مواصلات ، ثم أردفت قائلة : هنالك مناسبة زواج في ( واحيا) اسم مكان جنوب فرص مباشرة وتعني (الواحة) . كدت أطير فرحا عندما سمعت ما قالته الخالة ، وقلت لها متى سنتحرك ؟ قالت بعد الفطور لأن نساء القرية سيحضرن لوداعكم .

أخذت الخالة في وضع أشياء في مقطف كان زعفه المصنوع منه ملون بالأخضر والأبيض وأنا أراقبها من بعيد ، فوضعت فيها أشياء عينية من الحبوب النادرة في أرقين بالإضافة إلي راسين سكر ، ثم أهدت لي مطرقة (شاكوش) مصنوع من الحديد خصيصا لتكسير رأس السكر وكنت فرحا به أكثر من السكر نفسه . بعد قليل بدأت النسوة يتوافدن وكل واحدة منهن تحمل هدية ، والبعض منهن يضعن شيئا في جيب الوالدة وهن يعتذرن لها لأنهن ما قدرن عمل شيء لها وكانت الوالدة تتأفف من ذلك وترفض لكنهن كن يحلفن بالله العظيم بان لا تردهن . امتلأ البيت بالنساء وتعالت أصواتهن ليحدث ضجيجا في الفناء الذي كان ساكنا قبل قليل سكون الليل . ثم حضر الخال صادق محمد مع زوجته مودعين . تناولن الفطور الذي أخضرنه معهن من بيوتهن مع (ترامس) الشاي ، وبعدها بقليل خرجن جميعهن إلي خارج البيت وبدأت مسيرتنا وسرن معنا مسافات ولم يتوقفن إلا بعد أن حلفت الخالة والوالدة عليهن بالعودة شاكرين لهن سعيهن بقولهن (المودع ما موصل) ، أما الخال صادق محمد ، فقد واصل معنا المسير حتى نقطة الحدود ثم ودعنا ووضع في يد الوالدة شيئا وأيضا دسّ في جيبي شيئا لم أتبينه إلا في فرص . لقد كان المشهد رائعا ، عكس كل طيبة وكياسة النوبيين وتعاضدهم وتكاتفهم مع بعضهم لدرجة أنني رسمت في خيالي صورهن جميعا في فناء البيت الواسع تتوسطهن النخلة التي طالما كانت رفيقتي في الليالي التي قضيتها في القرية الصغيرة (ويسي) ، فيا لها من ذكريات لا تزال تعشش في ذهني رغم مرور كل هذه السنوات . ونواصل إنشاء الله

ذكريات من الماضي البعيد (18) :

ذكريات من الماضي البعيد (18) :
ما أجمل ليالي الأنس في النوبة بعد وجبة العشاء ، فهو ترويح للنفس ومجلس للثقافة والعلوم ومعرفة للأخبار وفي نفس الوقت تواصل اجتماعي . فاطمة عائشة عادت من شفخانة فرص بعد أن تلقت العلاج علي يد الدكتور داؤد جمعة ، هكذا كان يلقب عمنا داؤود رحمه الله وطيب ثراه . حملوا فاطمة عائشة علي حمار وعادت وهي تسير علي قدميها . كان مرضها مجرد (مقص) وعلاجها حقنة في الوريد أذهبت الألم في دقائق . كل أهل القرية كانوا فرحين بشفائها وتوافدوا بالليل إلي بيتها لتهنئتها بالشفاء من ذلك المقص اللعين . ليلة الأنس في هذه الليلة ستكون أمام بيتها بمناسبة شفائها . كانت تستقبل الناس هاشة في تلة الرملة أمام منزلها . كل المهنئين جلسوا علي الرملة إلا من كان له عذر أو سبب يمنعه من حضور جلسة الأنس الكبيرة في تلك الليلة علي غير العادة . أعجب ما في أمر النوبيين في ذلك الزمان ، أنه لا فرق بين رجل وامرأة . تسود بينهم الألفة والمودة والاحترام خصوصا لكبار السن من الرجال والنساء ، وعندما يتحدثون يستمع إليهم الجميع ، أحاديثهم درر ، وتعليقاتهم حكم . قلوب نظيفة بيضاء تماما مثل بياض الرملة التي نجلس عليها وتستمد بياضها أكثر بانعكاس ضوء القمر حتى أننا كنا نرى مسافات من مجلسنا وما يتحرك عليها من حيوانات نتبينها بسهولة من شدة بياضها . حاج أحمد صاحب النوادر والذي قضي سنين طويلة في قصر الملك فاروق كان سيد الجلسة . روي كثيرا من التجارب التي مر بها في حياته في كل مناحي الحياة . في الصحة
والمرض ، وتحدث عن مسببات كثير من الأمراض المعروفة مثل (الكوفار) وبالنوبية يسمي (ورتاب) ويعالج بفصد جنبتي الساقين بالموسي شريطة أن تكون جديدة ، بعدها يسيل دم اسود اللون وينظف مكان سيلان الدم بزعف النخلة ثم يقوم المريض بإخراج هواء كريه من بطنه بواسطة الفم ( يترّع) وبذلك يكون قد شفي تماما ، والكوفار نوع من التسمم يصاب بها المرء غالبا إذا أكل من (الدفيق) المتساقط علي الأرض ، والدفيق ويسمي أيضا ( دفّي ) مرحلة ما قبل اصفرار البلح حيث يكون صغير الحجم وأخضر اللون .
كل هذه المواضيع مطروحة للأنس بينما كان عقلي يسرح مع أحداث الغد المتوقعة لأنني مغادر مع الوالدة إلي فرص ومنها إلي وطني الصغير . نظر اليّ حاج أحمد قائلا : إزيك يا ابني ، ما شاء الله لسع موجودين معانا ؟ خالك صادق ما قال ليّ . أجبته غدا سنغادر إنشاء الله . ثم وجه السؤال للخالة : ليه الجماعة ديل مستعجلين للعودة . صممت الخالة برهة ثم قالت له ( مان شبرن أوكي) مستعجل للعودة . شبرن أوكي ترجمتها الحرفية أيادي القفة (المقطف) أو أضان القفة ، لكن معناها بالنوبية يعني شيء آخر تماما ، فهو ترميز لشخص معين معني بالموضوع ، وفي هذه الحالة ، الشخص المقصود هو (أنا ) ، ولا تريد الخالة التصرّيح باسمي ظنا منها بأنني لن أفهم مدلول الرمز . هنالك رموز أخرى كثيرة يستخدمها الناس في بعض الأوقات حسب الحالة مثل (مان إباريي) ، العبارة ديك ، وهو موضوع معروف للبعض ، وغير معروف للبعض الآخر الغير معني بالموضوع . ومن تجربتي الشخصية ، خلصت إلي أنه من الخطأ أن نعتقد بأن الأطفال لا يفهمون كثيرا مما نقوله أحيانا دون مراعاة لوجودهم معنا إذا كان الحديث لا يليق بهم ولا يسمح به الذوق العام التفوه به أمامهم ، فهم يلتقطون كثيرا منها ويؤولونها علي حسب قدراتهم .
مع رد الخالة لشيخ أحمد ، بعض النسوة سألن والدتي عن مدى صحة خبر مغادرتنا للقرية فلما أجابتهن ب (نعم) ، قلن سوف نرى الأمر غدا إنشاء الله . ونواصل إنشاء الله .

الاثنين، 18 أغسطس 2014

وضاعت الأيام (57) :


نقلا من صفحة نخيل النوبة فرع ارقين 
من كتابات الفذ سيد ابكر سلسة من حلقات وضاعت الايام 

وضاعت الأيام (57) :
ليس بالبندقية وحدها يقاتل الجنود ، بل بكل ما تعلموه من فنون وأساليب القتال المتاحة . هذه قاعدة عسكرية نطبقها عندما نقاتل دفاعا عن أنفسنا وأوطاننا ، بل ربما قاتلنا بأسناننا وبسيف العشر إذا اضطررنا ، لكننا لا نستكين ولا نستسلم أمام جبروت القوة ووحشية السلطة ، هذا ديدننا وحالنا علي مرّ الزمان . سيل المواكب والمظاهرات التي عمت وادي حلفا في أوائل الستينات ، كانت تجسيدا للرفض الكامل للاضطهاد والظلم الاجتماعي ، كما أنها وحدت النوبيين في صفوف تراصت ضد اعتي حكومة عسكرية عرفها السودان بعد خروج المستعمر . ألهبت مظاهرات النوبيين حماس كل القوى التي كانت تعارض الحكومة سرا ، ورفعت الحس الوطني لطلاب الجامعات والمعاهد العليا ، فطرحت ولأول مرة في أركانها قضايا سياسية خطيرة للنقاش لم تكن في مقدور الأحزاب والتنظيمات السياسية التقليدية المعارضة للحكومة تنظيمها . ما يجب أن لا ينساه التاريخ ، ولا يتجاهله كما حدث من قبل ، أن النوبيين في الشمال ، هم أول من تحدوا الرصاص وابتكروا فن التقاط القنابل المسيلة للدموع وإلقائها في شاحنات الكومر التي كانت تقل قوات الأمن . قعقعة السلاح وهدير المجنزرات وطوابير الجنود المدججون بالسلاح وعرض القوة لردع كل من تسوّل له نفسه (عبارة مشهورة للفريق إبراهيم عبود) القيام بنشاط مضاد أو إعلان الحرب علي الدولة ، لم يهتم لها أحد من النوبيين رغم خطورة هذه المزاعم التي صيغت ببراعة . فما كان من السلطة إلا استخدام سياسة (فرّق تسد) وهي قاعدة سيئة الصيت وقديمة قدم الإنسان ، وبالإغراءات المادية استطاعت أن تفرق الكلمة وتخترق الصفوف ليصبح التهجير واقعا بدعاوى أطلقوا عليها زورا وبهتانا لفظ ( تضحية النوبيين من أجل الوطن) . 

ما الذي تبقي لنا لنفعله ولم نفعله ، كانت الطبيعة الخلابة تشكل بعدا أساسيا لحياتنا وشخصيتنا النوبية المتميزة أصلا . كانت وادي حلفا علي شاطئ النيل بمبانيها متعددة الطوابق بيضاءه اللون كعروس زفت إلي النيل يوم سبوعها من تاريخ زواجها الميمون ، تحيط بها صويحباتها عن اليمين وعن الشمال . وكانت وادي حلفا مثل تلك العروس تحفها القري من شمالها وجنوبها بمزارعها الخضراء ، وبحدائقها الغناء ، تصاحبها زقزقات الطيور وأسراب الفراشات علي زهورها ونوارها . كانت صور أشجار النخيل والمانجو والجميز والسنط ، تنعكس علي النيل وتعانقه . ولقد ساهمت هذه الطبيعة الجذابة الجميلة الأنيقة في مقاومة الظلم الذي حل بنا ولم تبخل . لقد فجرت كوامن الشجن وأخرجت من أعماق الشعراء والفنانين إبداعات وكلمات وفن تحدي البندقية وكل آليات السلطة القمعية . (أشدو يا حلفا ، أرض سما آقجنا ) ، غناها صالح ولولي وأثار بها مشاعر النوبيين وحواسهم ، اضطر معها المعتمد حسن دفع الله رحمه الله إلي استدعائه وتحذيره ، لكنه لم يهتم بالوعيد والتهديد فظل يغني ضد التهجير كما غني بالرمزية ، وعندما تقرر تحويل الباخرة الثريا من حلفا إلي مصلحة الوابورات بالخرطوم بحري ، غني ولولي في ذلك اليوم وودعها قائلا ( عديله يا باخرة الثريا إن فراق ايلندو صعبا ) وداعا أيتها الباخرة الثريا ، إن فراقك يمزق قلبي . ثم جاءت ملحمة أرقين ، للشاعر الفذ محمد سليمان حسين ، فقد كانت ارقين رمزا للنيل والنخيل والقرى النوبية والذكريات الجميلة والماضي التليد والحاضر العريق . ثم تتابعت الإبداعات في المحس والسكوت وأغنيتهم المشهورة ( قربلون جناكوقن ، خشم الجنة آكقون ، وردلن زهوردن ، كتا منجا آقا أركونق ، حلفا يا بلادوني) لو خشم القربة أصبحت جنة في الأرض ، ولو بها أبواب الجنة ، ولو تعانقت ورودها وزهورها وتراقصت ، حلفا هي بلادنا . وغني الفنان الراحل محمد وردي باغنيات نادرة تغنت بها بقاع النوبة شمالها وجنوبها .كما ساهم فنانو النوبة المصرية ايضا بروائع ا لغناء في التنديد بالسد العالي وبالتمسك بحب بلادهم مثل الشاعر الفنان مصطفى عبد القادر (اشدوا وايلونا جرحقا فيا منجن نوبا) و (اى فجولين باينا) والفنان سيد جاير (وو حنينا اركى نوبيى وو حنينا) ومن حلفا دغيم الفنان شريف سعيد الذي غنى كثيرا (للنقديين) الذين رفضوا الهجرة وآثروا البقاء يحلفا (اسكانا برندل طراولا) . ومن الشعراء الشاعر علي صالح داؤود ، في قصيدته أه علي حلفا ( ما لقومي تأهبوا للرحيل ، وناوا عنك يا عروس النخيل ) ، وقصيدته لا عاصم اليوم من مياه البحيرة ، وقد صاغها لصديقه الشيخ صالح عثمان رحمهم الله جميعا الذي كان يرفض مغادرة أرضه شكلا ومضمونا ن وتبدأ أبيات القصيدة بـ ( ويلك اليوم من بحيرة ناصر ، أركب الفلك مستجيرا وسافر ، لا تقولن سوف آوي لصخر يعصم الناس من عباب زاجر) . والشاعر إبراهيم عبده الذي أبكي الناس بقصائده عن ضياع النوبة ، ولعل أشهرها ذلك الحوار الذي دار بين الطفلة ووالدها حينما سألته أين تضع مفتاح الباب ، فرد عليها لا ضرورة لذلك لأننا لن نعود إليه أبدا . 
والي.........................لقاء

الأحد، 17 أغسطس 2014

صفحة نوبيون حتي النخاع علي الفيس بوك

https://www.facebook.com/Nubianpharaohs

ادخل وتابع اخبار النوبة  علي نوبيون حتي النخاع انة منبر نوبي يوضح ويعلم ويوجة ويثقف الاجيال فلك المشاركة

السبت، 16 أغسطس 2014

المؤتمر النوبي الجامع

الرؤية...............................
الدعوة لمؤتمر نوبي جامع ..... ....
خمس خطواط ستقود الحلم النوبي لبر الامان .....


ان الدعوة لذاك المؤتمر الحلم ليس مستحيلا في ظل هذة الصحوة التي تهذ جسد النوبة الزي كان ينوم في ثباتة العميق وعلينا ان ننفخ في الصور نفخة واحدة لتستيقظ النوبة كلها ويحشرون ضحي وضحي هنا حيث تتضح الرؤية للجميع ليعرف الكل ان هذا الجمع ليس بسحر ساحر ولاحلم حالم ولا سراب انكسار علينا ان نضع الخطوط الحمراء في ليلة بيضاء لتوقيف كل الكارهين والمارقين والسارقين والفاتنين والحاقدين في حد الجد واظهار التاريخ المسروق والمخطوط حسب الهوي مع نكران الهوية والحضارة التي بنت وعلت فتركت من خلفا الاجيال الزي يهيمون حبا فيها ويزوبون عشقا بها 

............................... فخطوة لتحديد من المعني ومن الزي سيشهد ميلاد تلك اللحظة من مثقفاتية ومتعلمين كبارنا وصغارنا بكل اطيافنا من اقصي النوبة الي ادناها فقط نوبي ستكفل لك الحق علي ان تشهد ذاك الموقف العظيم


............................ خطوة ثانية تحديد الزمان والمكان المناسبين لزاك المحفل المقدس الزي ستتحدث عنة الاجيال كتاريخ ثابت ولن يترك لمحرف ومخرف ومخرب وواسع العقل ان يعبث بة كما تم العبث بتاريخ حضارة فسٌرقت ونُهبت حتي في عاداتها ومعتقداتها حتي في ابسط حروف لغتها
.......................... خطوة ثالثة تحديد المتحدثين ومحاور التحدث وشعار المؤتمر واهدافة فلاتترك شاردة ولاواردة لتخرج الجمع من لب الموضوع واستهداف الهدف الزي جمع الخلق
......................... خطوة رابعة تحديد بعض العقول النيرة التي ستتجمع وتفكر وتدبر وتخطط وتنسق وتعمل بجد واجتهاد دون كلل وممل علي ارساء دعايم التوحد والتكاتف والتواصل ان عشرون من الافراد شيبة وشباب من كل الاطياف المثقفة نساء ورجال سيشكلون النوة للنوبة سيشكلون الخطوة الاولي التي ستتحرك نحو الحلم وتحرك معها حضارة عشر الف سنة عشرون منهم القانونيون والاداريون والاطباء والمهندسين والاعلاميون عشرون فقط بفكارهم النيرة يمكنهم ان يكونو اللبنة التي ستبني للنوبة مجد جديد وتعيد لها مجدها المفقود سيضعو خططهم وافكارهم وافكار غيرهم قيد التحقيق والتنفيذ

.................... الخطوة الخامسة تعيين خمسة من كبار القوم كبرلمان بخبراتة في الحياة خمسة من الكبار للتوجية والاستشارة والمراقبة والتدقيق في ماسيفعلة العشرون ومافعلوة انجازهم ولو لزم الامر عليهم بجتثاث الاورام المسرطنة التي تقف عثرة في اعقابهم
........ ان الامر برمتة عبارة عن حلم يتكون من خمسة نقاط فهل هي مستحيلة او صعبة المنال...؟؟؟؟؟ اجتماع اهداف اختيارة مجلس عشريني او كما يراه الجمع اختيار مجلس شيوخ وكبار للتوجية والارشاد هم من سيتحدثو باسم النوبة والنوبيين وسيفعلو الكثير الكثير فقط الارداة العمل المثابرة الاصرار
(وعاشت الثوابت النوبية) علي قول قدوتنا و مفكرنا عبدة سليم

الجرجار مفردة نوبية

منشور بواسطة ‏عبده سليم · 14 أغسطس
................الجرجار مفردة نوبية
....................بــــــلا مــــتازع
....................كالاسكلى
......................والنو رج
......................والاودى
والذى ذهبوا الى حد الادعاء بمعرفة احاجى وسير واحافيير الماثر النوبية بعد ان ابتليت عصب الفكر بايحاءات مؤرخين مرتزقة ومتسولة على دهيليزات الاقوام لمتناحرة تحت الثرى لاثبات الذات, وجعلوا من حراك التاريخ معركة ذاتية ومن خطوط الجغرافية وثيقة على امتلاك وطن ومن احداثها ثوابتا لانتزاع هوية لاقزام بلا زمان ولا مكان ولا حدث..
مؤرخون سجلوا الاحداث وفق مشيئة ذات الانتماء وقوانين نسخت من الموجودات ما تلائم رؤياهم وتصورهم ووفق ما يهوونوما يرمون اليها
والغريب فى الامر والعجيب ان من النوبيين انفسهم هم من يؤمنون بمصداقية تلك المدونات ويرددون وفق ما جاءت بل ويروجون لها بدرجة اليقين حتى اصبحت الحضارة النوبية المتجسدة عناصر مكونات الارض وحراك الزمان وتداعيات الاحداث ذات الحضور زرعت حولها الشكوك واكثر المرددين لها هم اهل الشان /
ازعجنى ذهاب البعض من اهل الشان باليقين القاطع بان الجرجار ليس زى نوبى انما هو منقول اليه من ؟؟؟
عجبت لمن دق على هذا الو تر من اصل وعجبت اكثر من الراقصين.على ايقاعاته لان الجرجار ثقافة امة كرمت نساءها وكنداكاتها وميزتها عن نساء الاخريات من الامم الاخرى منذ الخليقة الاولى تحت سموات ــ لا نبى ــ ولا رسول ـ ولا كتابــ ـ ولا شرع ,, والى دنيا الشرع والكتب, السماوية , ورسل صلى الله عليم وسلم ,,,


كانت المراة النوبية,, وما زالت (افتراضا ) فيها ..وبها..ولها..وعليها ..الجرجار
فالجرجار النوبى مفردة نوبية ذات تفاصيل نوبية ماءة بالماءة ولها نفس قوة الايلولة للساقية/ والشادوف /والنورج/ والمحراث/ والجرجار المدرسة النوبية ذات الخصوصية النسووية الخاضعة لسلطة المراة النوبية بكل تفاصيلها التى تؤكد بانها تصميم نسووية متجسدة برؤيا وصياغة ثاقبة وتدبير نسائى دقيق تعبر فيها مكانتها لدى الرجل والهيمنة على اشياءاتها والسيطرة على مواقع الاثارة والفتنة وفق تأثير المواقع لدى الاخر.
ومدرسة الجرجار النوبى هى بقدر جم المراة النوبية ومكانتها على بنا ء الهيكل النوبى العام فى كل زمانه ومكانه وهو تمكين المراة على شئونها الخاصة وتكليفها بتطوير وتنظيم متطلباتها دون تدخل من الاخرين وبما ان المراة النوبية كانت لها خصوصياتها دون تدخل من الرجل كانت تتمتع بكثير من اشياء الزينة لها عليها بصمات المرأة النوبية وعلى سبيل المثال من لى بمجتمع سباق على المراة النوبية فى ادوات الزينة ,, الشفى ــ البرتاوىـــ الأرسِى ــ الارداوىــ الجتى ــ الشًرشًرــ الفشٌة ــ فرج الله ــ الى الخ..
الاودى/ القدم/ السالى/ الكفارى/ الاجوى( المشاطة)ةوالاوانى الزينة كالقوفادــ والاجل ــ والقدموس/ الخ
ولان ثقافة الجرجار ثقافة امة حفظت كرامتها ومن ضمن تلك الاوعية الحافظة .كان الجرجار ولانى على نقيض كل من يذهب الى غير ذلك قصدت توضيح ما يجب توضيحها عن ثوابت الجرجار وبقدر حوجة االموضوع اليها,, وهى::
جزئيات الجرجار ذات التفصيل النوبى العريق دون تدخل اى ميكانيكية خارجة عن الاطر النوبى اكرر واردد على يقين كامل لا احد شريك مع المراة النوبيةعلى الجرجار
وهذه هى تفاصيل جزئياته . باللغة النوبية فالياتنى ببراهينهم ان كانوا يملكون غير هذى,,


(1),,, قبًى
(2),,, أيــيًن أ ٍوُر
(3),,, كـنُدونُِ ا ًور
(4),,, اوقِـين كِيـتى
(5) ,,,جــرينٍ كيـتى
(6),,, كشًكا شً
(7) تون ا ٍلى
(8).. ُاوسُرٌ اًلًى
(9)...جيبًو
هذه هى الجزئيات المكونة للجرجارالنوبى والجرجار فى ذاته لوحة بيانية للمكتسية به وشاشات عرض للسيرة الذاتية يفهمها الآخرين دون السؤال عنها .. فالبنت المتزوجة لها ما يميزها ـــ وللبنت الغير متزوجة ايضا لها ما يميزها ــ للمرأة المرضعة لها ما يميزها ــ للارامل والمطلقات لهن ما يميزهن ــ ولكبار السن ايضا ما يميزهم, وهكذا يمثل الجرجار المجتمع النوبى وتتجسد المراة النوبية بل وتعلن عنها بلغة عارفين؟
اما اللون والصنف وبسط التفصيل فهو متروك للحضارة وللزمن ومحطاتها

والرغبات التى تخرج عن التفاصيل دون مس المضمون لا تنقص من قيمة الجرجار شيئا وفى قناعتى يمكن ان يكون الجرجار حلا سحريا لصراعات الزى وخاصة الخلافات حول النقاب... وان غدا لناظره قريب,,,
ونواصل
عاشت الثوابت النوبية

الخميس، 14 أغسطس 2014

حكايات من الماضي البعيد (17) :

حكايات من الماضي البعيد (17) :
ما أقسي لحظات الوداع ، لقد حان وقت الفراق ، فراق القرية الصغيرة الهادئة (ويسي) ، وفي قبالتها جهة الشرق مناظر وبيوت وأشجار (ادن دان) التي كنا نرمقها كل صباح ، تماما كما يحدث في ارقين كلما ذهبنا إلي شاطئ النيل وننظر إلي جبل الصحابة واشكيت . عندما عدنا إلي منزل الخالة ، جمع حوائجنا وترتيبها ووداع أهل القرية صبيحة الغد ، كان شغلنا الشاغل بعد أن أخذوا فاطمة عائشة إلي شفخانة فرص . كنت واثقا بأنها ستعود وقد استردت عافيتها . داؤود جمعة مدير الشفخانة معروف بأنه رجل يجيد مهنته . يستطيع أن يشخص المرض ويحدد الدواء بسهولة . لقد جربتاه في ارقين . وبالمناسبة منزل أسرته في (أمبي) جنوب أشاون إركي مباشرة ، ويقضي الآن يقضي جزءا من خدمته في مجال تخصصه في فرص . هاج في نفسي شوق مكتوم ، أخيرا سأغادر إلي موطني (أرقين) بنفس الطريق الذي سلكناه للوصول إلي هنا عبر نقطة الحدود . بدأت أرسم في مخيلتي أهم ملامح قرية (ويسي) للذكري ، لا يعلم الغيب ألا الله ، فقد لا أزورها مرة أخري ، وبينما كنت أسبح في خيالي ، قفز إلي ذهني صورة الصبي رمضان الذي شغلني بقصص الغرام ومرض العشق الذي يعاني منه . ولكن أين أجعله في تسلسل درجات الذكرى في مخيلتي وبأي حال ؟ سؤال انطوي علي قيم ومفاهيم أخلاقية تتجاذبها الوفاء للعلاقة التي نمت وتطورت بيننا علي مر الأيام التي قضيتها هنا ، وبين ما ذكرته الخالة بأنه يجلس مع الكبار ويستمع إلي أحاديثهم التي لا تليق بأعمارنا . حزّ في نفسي أن يكون صديقي مثار جدل صامت في دواخلي . ثم يعود الضمير ليناطح فكرى ويوحي بأن العشق والحب ما كان يوما من المحرمات ، إنما المحرمات أن تنتهك حرمات الناس في حضورهم وغيابهم . لست أدري أي من هذه المعتقدات أصح حالا ؟ ما جئت بها من أرقين ، أم ثقافة العشق الحديدة التي حطم بها رمضان أسواري وقلاعي واستطاع أن يفرضها علي عقلي رغم أنف إرادتي بسحر بيانه وببلاغة منطقه ؟ أخيرا وصلت إلي حل وسط . سأبحث عنه غدا صباحا وأودعه علي كل حال ، هذا ما يفرضه الواجب ، أما أفكاره وقصص عشقه فسوف تحال إلي مكتبة الذكريات لأنني لن أقابله مرة أخري ولن يجد سبيلا ليسمعني الجديد من أخباره . هذه هي سنة الحياة ، لقيا ثم فراق ، ورغم شيوع المثل الشعبي ( الحيّ بلاقي) لا أعتقد أنني سأعود إلي (ويسي) يوما ما .
(أين حب الخروع ) ، انتبهت من سرحاني وخيالاتي بهذا السؤال الموجه من الوالدة للخالة وقد اقتحم مسامعي وكأنه كان موجها لي أنا شخصيا . فأجابتها ، في كورية بالقرب من القسيب . والقسيب إناء يصنع من الطين في حجم البرميل ، يخزن فيه ثمار التمر أو القمح وله غطاء مثبت من الطين ، وفتحة في أسفله يسمح بتدفق الحبوب . أما حب الخروع فيوضع ويمسح به سطح دوكة الطين الساخنة عندما تكون جديدة ، وهذه العملية بمثابة تليين لسطحها ليكون ناعم الملمس لا تلتصق به الكابيدة فتتمزق ، وبالنوبية يقال لها (قاوى) . بعد قليل استنشقت رائحة قراصة القمح تفوح من المطبخ ايذانا بقرب تناول وجبة العشاء ، ليس لجوع كنت أعانيه ، وانما لنأوى إلي النوم بعد العشاء انتظارا للصباح حيث موعدنا مع رحلة العودة الي موطننا أرقين . ونواصل إنشاء الله

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

حلفا بين الخديعة والكذب

....حلفا بعد مروم نصف قرن من الزمان
....................بيــن خديعة
...............جمـــال عبـد الـــناصــر
.....................و كــذ بـة
..................ابــــراهـــــيم عبــــود
( الجزء الاول )

حلفا بعد نصف قرن من الزمان من خديعة جمال وكذبة عبود

وبعد مضئ نصف قرن من انصهار وطن وقيام بلد وتمزيق امة وتركيب كيان وتفتيت قومية وتدمير ثوابت وتجريد هوية وتذويب ثقافة .
بعد مضئ نصف قرن ياترى ماهي حصيلة الوطن الذي استقطع من ارضه وعرضه جزء اصيل ؟ وماهو العائد لتلك القومية التي خلفت ورائها ارضها وعرضها ومفرداتها وثوابتها ؟ ياترى ماذا فعلت الايام والسنين لتلك القومية وماهو البعد الاجتماعي والثقافي والحضاري لبلد قامت خلف الكواليس وشيدت فوق اطلال ارض طمست معالمها من على وجه الارض ليس تلكم بهزة ارضية ولا بحمم بركانية ولا بجراء سيول طبيعية انما كان ذلك الدمار بفعل فاعل وخلفيات تاريخية .

بعدمضئ نصف قرن ماهي النظرة الشمولية لقومية دمرت ممتلكاتها وهجرت قسرا لمنطقة فرضت عليها ؟

بعد مضئ نصف قرن ماهو المنتظر من قومية ذات ارث وثوابت وثقافة ذات جذور عميقة هل المنتظر منها الانصهار باوعية الاخرين ام الاقدام والحفاظ والثبات بكيانها والتمسك بهذا الجزء من الارض المركب كوطن ابدي لها؟وماهي مواقف الاجيال من تداعيات الهجرة والاختناقات الاجتماعية والصراعات القبلية التي تداهمها بين وقت واخر ؟وماهي مواقفها من مفرداتها الايلة للسقوط ومن خطابها الاجتماعي الذي تاثر كثيرا بعوامل الهجرات المستهدفة والانهيارات الاقتصادية المفتعلة والحصار الاجتماعي المبطن والتهميش السياسي الموجه ؟
بعد مضئ نصف قرن ماهي مواقف الانظمة المتعاقبة لمقاليد الحكم بالبلاد منذ عام 1964 سوا اكانت تلك الحكومات عسكرية ام وطنية ام جهوية وباي المعايير تتعامل تلك الحكومات مع مقتضيات منطقة فرضت عليها ايواء قومية مجروحة سلبت منها ارضها وعرضها باسم الوطن الكبير ؟
وبعد مضئ نصف قرن ياترى هل منطقة خشم القربة هي المنطقة المناسبة وباي الاعتبارات اخذ ذلك الخيار ؟افلم تكون هنالك توصيات عالمية بعدم صلاحية منطقة خشم القربة لحياة الانسان والحيوان معا ؟ولماذا فضلت منطقة خشم القربة بالذات برغم وجود مناطق اخرى وجدت قبول اهل الوجع .
بعد مضئ نصف قرن ماهي الدوافع التي دفعت الحكومة السودانية التخلي عن منطقة جزمت بانها اكثر المناطق امتلاكا لثوابت الهوية السودانية وبرغم مايبطنها من كنوز وثروة قومية لاتقدر بثمن ؟هل كانت الدوافع لمعادلات اقتصادية ام لاعتبارات سياسية ام القصد منها بناء استراتيجية اجتماعية لاعادة رسم الخارطة الجغرافية والبشرية لتحويل مسار التاريخ والغاء مالا تلزم من الارض والبشر.

عبدة سليم .......

الاثنين، 11 أغسطس 2014

..............امــــر غــر يــب و الله
....................ــــــــــــــــــــــ
وقفت كثيرا مترددا .. ولم تبق فى جرابى من نصائح الا نصيحة واحدة لاصلاح الواقع النوبى المذرى وضبط النفس فيه . والتنفس . والعودة بها الى ما كان عليه الحال .وفى اسوء الاحوال الحفاظ على ما هو عليها من ارضية , و واقع الحال ..
نظرت الى يسار ى فوجدته مشلولا حتى المرفق وتوجة يميننا واذا اليمين هو الاخر مسلولة الرئتين ميئوس الحال فنظرت لذات القوم فاذا هو ايضا كحبة الفاصوليا بقدر طباخ ماهر متفرقة عن بعضها طاعمة لآكليها وهكذا اصبحت انا فى ساحة المجتمع النوبى بلا ثانى لى منذ ان وضحت راس التنين ..وانا كالشحاذ اطرق ابواب النوبيين بابا تلو با ب علنى اجد على صاحب يرى ما اراه .....ويا للعجب العجاب ان الاحذية المشئومةعلى كل الرؤوس وبلا استثناء وفق مسميات عدة ما عرفت منها سوا انهم ابناء عظماء . احفاد ابطال .. ووراث ملك وثوابت ..الخ ووابنا ء اجداد كانوا صناديد ..ولابد منهم من صمود.. وكانوا صبورين ولابد منهم الصبر على المصائب.. وكانوا عباقرة وعلينا اذ .. العبقرية فى فنون الاستسلام..وفى مثالية التنازل.. وعفوية والتهميش..والى .. الاخ..
الى ان ضاق الحال عن القوم ولا عاد لهم مكانا لتقوقع ..لاتاحت فرصة لتمدد الشر المتأبط بين الجفن والعين واخوته اللائى ذادن شرورا ...
واصحاب الوجع الذين اذدادوا وجعا ..وحسرة..وألما ...
امرهم محير بل وغريب ....امام اعينهم تتطاير حمم النيرا ن ...تتلاطم امواج السيول ..وعلى اسماعهم صرصرت العواصف . ودوى الرعود .بوابل الامطار تمطر الاهة والانات .. سمواتهم دخان وسراب: ..الاخطار محدقت عليهم من كل صوب والبلاد اصبحت ماوى لعموم الكائنات الضارة تحت مظلات التهميش .والنزاعات الاهلية ..والحروب القبلية المدسوسة تحت الاظافر ..وهم يجرجرون اذيالهم المذلولة ويتثاقلون بارجلهم المنهوكة فوق ومض هذه الحرائق خلف قيادات سلبت الانانية عن قلوبهم نخوة الرجال واعمى الجشع فى نفوسهم حقوق الانتماء.. واماتت الولاءات العقيمة فى دواخلهم الشموخ والكبرياء واصبحو ا
لايرون... ولا يسمعون .. ولا...يشعرون...وانا لله وانا اليه راجعون ..
والسؤال؟
لاهلنا الطيبن.. لماذا هذا التواضع ..لماذا هذا الانقياد..لماذا لايكون هنالك رفض لتلك القيادات المريضة المتآكلة لماذا لايتم تبديلها .. بقيادات اخرى مسئولة .. لماذا لايتم اسقاطها ..وان دعت الظروف اسقاط هوية الانتماء عنهم ..
نحن لا علينا تثقيفهم فى اصول الانتماء والدفاع عن الحقوق..و حفاظ على الثوابت ..بل علينا اسقاط الهوية وسحب حقوق الانتماء منهم ..
ونواصل انشاء الله
.......................عبده سليم حجه
...........................ارقين كبرى

من دبيرة الي ارقين

...................من الارشيف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
............................مــن دبـــــيـرة
..............................ا لـــى
........................ا ر قــــــــــــــيـن

دبيرة حرف نضالى مؤكد فى قاموس اللغة النوبية وهى ركن من اركان المآثر الموثوقة على مدارج الصرح النوبى وارتكاز سموء فعال على فضاءات الحضور النوبى العتيق .ولم تكن تداعياتها عتبة مدخل او اسم كان على جرف نيل وارفة كمن المفهوم انما كانت دبيرة صرح من صروح ذات بصمات ووشم منحوت ومحبرة ودواء وريشة كتب بسنتها ذلك التاريخ التليد وذاك العتيق وهذا القريب وامسه الذى كانت لدبيرة القدح المعلى والحقيقة الموضوعية المنحوتة على جبين القومية النوبية عزة..وكرامة . وسنة اولى على قاموس النهضة النوبية التى توجت به نضالات وادى حلفا ضد الطغاة المعاصرين كانت دبيرة العقد الفريد لتلك المرحلة العصيبةالتى كانت فيها دبيرة الساحة الوراقة والواحة البراقة . وحروف الكلمة المستوحاة كالسكين,,كالمدفع ,, ويجب على الجميع احتراها وتبجيلها بل وتقديسها ,,,

وارقين بصراطها وهاماتها وقاماتها تسكب حليب الود والاخاء بين شفتيى الوطن درعا وسدا لوطن فيه سموات دبيرة مجوهرة بنجوم لامعة وكواكب سيارة ونيازك ترصد للاعداء ,.وكرامات لم تنضب وقامات لم تكل وهامات لم تمل من ارقين لك لك قديستى يا دبيرة ولآل ,,,,,؟
ولآل(ظرافة)( ولآل ازهرى)( ولال الشيخ)(وآل الحج كاش)(وال ,دونا)( وال تيلكاك)( وال ابوالريش)
(وال عبد الغفور)(وعثمناب)( وال ولياب)(بركية)(ال صيام)(ال شاهين)(وال احمد مصطفى)(ال المفتش)(وال طه ايوب (ال جاسر)(ال مهدى)(ال ابيض)(ال ابوزيد)(ال ابالزيد)(ال طنون)(البابياب)
(ال طموش)(حجار )(ال عبده ليمون )ولالى والاخوة والاصحاب من ارقين القبولا الازلى والابدى والتضامن لغد موعود خلاق لكل اهل دبيرة ولانى كنت الرابط بين الحراك المنظم ما بين ارقين ودبيرة لمعراضة الحكم العسكرى والموصلة لتوجهات المنطقتين وخاصة عند تنظيم المظاهرات المناهضة للهجرة .. لصغر سنى فى ذلك الوقت من عام (1960) كانت التكلفة تصدر لى بواسطة خالى المرحوم المناضل البطل حسن على قسوم الماركسى التوجه ,
والى اللقاء ,,

...............عبده سليم حجه
.................ارقين الكبرى

(.مـــحـــى الـــد يــن د و جـــة)

.........................اتــكاء ة على ازقــة الـطـفو لـة
شاهد وليس بمؤرخ.. حاضر وليس بسامع.. متشبع وليس بملقن.. وجدانى المصدر . عفوى السرد .مجازى الموقع, مواقف بلا عنوان, احداث بلا تاريخ.. ثوابت بلا سجل..
انها ازير شبل من عرين اسود كانوا ..ملوكا,,
نسخ على عصب الحواس الخمسة ابداعات المبدعين وشموخ الشامخون ..لله دركم
...........................يا اسود الديار ....
.............اســــــــــــد الــــد ا ر صــانـــع الاجــيـال

.....................

.........................الظاهرة التى لن تتكرر
فى البحر.. فى البر.,فى الطفولة فى الصبا فى الشباب وفى الكهولة فى البيت وفى الشارع فى الغفوة وفى الصحوة.محى الدين دوجة وفى يده اليمنى عصا لمن عصى وفى يده اليسرى حلوى محمولة على نبرات وداعه تفوح منها الطيبة الممتنع والمحبة المجتبى وهمهمة مثل غضبته مجلجلة تشدها عضلات قلبه الجامع بين..بينه محبة الجميع والمستنشق حب الجميع له محى الدين دوجه يحيه الجميع بلا استثناء ويخافه الجميع دون تحفظ .يستبشرون به الجميع ويطيعونه الجميع هو الداخل فى البيوت بلا (شرو) ومن دون استئذان والخارج منها باستحسان الجميع ,هو الخفير .والمراقب. والمدير .والجند ,والقاضى والسجن .والسجان ..وهو القلم .والورق, الكتاب.والمدرسة...
محى الدين دوجة هو الطورية .والازمة., والاربر آليات حفر المقبرة . وشبر النهد وهندسته (وآجر .وصلى ) محى الدين دوجة هو حبات العرق المسكوب على النعش,والعطر العبق والنية الصادقة لوداع الراحل وهو العنوان الصريح وعلى مستوى ارقين لاخر المدفون واوله ورقمه وتاريخه وهوالفال الحسن لاهل المتوفين محى الدين دوجه سر كتوم يعيش تحت الاجفان وهبة السماء لاهل طيبون بالفطرة ..
ولم يقف حاله بدفن الوفيات ..بل ..وهو.. الراية المرفوعة على سموات ارقين وسمؤها والقبسات المتلأ لئة والمزركشة بزغاريد الفرح والمخضوبة بكل طقوسه (من مرحلة الاختيار العريس للعروسة..). والى الموافقة ....( الفرقر) الخطوبة /كان لمحى الدين راى مؤثر لدى الجانبيين اذٍ..محى الدين كان الفاتح باب العرس والمشى, .وكل العرس والعنوان العريض منذ يومه الاول محى الدين دوجة هو خنجرالذبيح.. والساطور.وهو العارف مدرجات كمكم الذبيحة وانثناءات المصارين, وموقع (الإتى) الصفراء( والآديمون) ومن اين تؤكل الكتف.والكمشة.والغراف. حلة القيزان .والصوانى والصحون محى الدين دوجة هو الطاهى بلا منافس. والمدبر بلا معارض. والدرويش الذى فى يده البركة .والمليون آكل ..اكله ..بإذن الله .وحامى حمى (اركيقوا اريق كبكو) محى الدين دوجه هو الفرح اليقين وعنوانه وطقوسه وهو المقترح..والمثنى,صاحب السيناريو والمخرج والمنفذ لابجديات الافراح من الفها وحتى ياءها ..


وله جوانب لابد من ذكرها ..اطال الله عمره ..ولانه لا يعرف المؤخرة ولا من هواة الانتظار له فى وجدانياتة الف مهنة ومهنة وهى شخصية متعددة المهن له ملكات الملائكة على يديه الممدودتان يقطن البركة والاتقان لا مستحيل عنده فى البحر سباق لا مثيل له....فى البر مغوار لا نديد له .. فى الخير مقدام لا منافس له.ومن هنا ولا افش سرا ان قلت ان محى الدين كان من امهر صانعى آلة (الطار)من اختيار جلد الماعز والى الاعداد ووفق متطلبا ت الايقاع وهنالك طرائف كثيرة بينه وبين العازفين لنذكرها عند حينها ولخصوصية موقعه الذى لا يجاوزللحضور كان على شلته تقديمه دائما ليكتسبوا استقبال الجمهور لهم بزغرودة النساء وتصفيق الرجال والهرج والمرج الذى كان يعطى لساحة الرقيص نوعا خاصا من البهجة والسرور ..
سيد آشه ــ محمد آشه ــ عبده آشه.. هم كانوا فنانى الساحة دائما والاصدقاء الدائمون له وللعم سيد عاشه ـ والخال محمد آشة الف تحية ومن الله ارجو ان يدثرهم بالصحة والعافية ولاهليهما التحية والاحترام للعم محى الدين دوجة ..هو معلم الاجيال بلا منافس وهو القدوة الحسنة والفال المبارك وقلب ذات اتجاه واحد
وهو حب الاخرين والتحدث عن مثل هذا الصرح الفسيح من اصعب الاشياء .اخاف على ان اظلمه لان الذى اعرف عنه هو قدر ضئيل فى وقت هنالك خفايا بين ثنايا ابناء جيله او تلكم الصفوة الذين كانو ادمات جلده وظلال ظله مثل العم سيد على جباره:ــ احمد يوسف ــ سيد على سليمة ــ حسن حجه ــ احمد سبيكه ـ عبده صفره ــ محجوب هانم اغا ــ عوض صالح ـ مصطفى حوشة ــ حسن كاده ـ عبده ابراهيم ـ عبده دهب شيبون ـلاستاذ سيد جاهين ـ متعهم الله بالصحة والعافية
وللاتكاءة بقية ,,,,,وارجو عدم مآخذتى ان كان هنالك من خطأ والله يعلم القصد
مع الف تحية للعم الـــهــالة مــحـى الــد يـن احـمــد مــحمــد (د وجة):
وللحديث بقية
واتمنى ان يكون التوفيق قد حلفنى
والى اللقاء انشاء الله
عبده سليم حجه
ارقين الكبرى

حكايات من الماضي البعيد (16) :

حكايات من الماضي البعيد (16) :
في مساء يوم عدنا من المرعي ، كان حديثي انطباعيا عن الصبي رمضان والذي أحسب أنه كان يوما خالدا في ذاكرتي . ( أوعك ثاني أشوفك مع الولد دا ، ولا أشوفك بتلعب معاه ) !!! قالتها خالتي موجهة تحذيرها لي بنبرة نوبية حادة فظة لدرجة أزعجتني هذه الجملة . لماذا يا خالة ؟ سألتها منتظرا الإجابة في لهفة وترقب ممزوجين بشفقة وخوف يعتريني من عواقب إجابتها علي سؤالي . ردت عليّ قائلة : الولد دا أكبر منك سنا ، ودائما يجلس مع الكبار ويتحدث بكلام لا يليق بصبيان في سنكم ، فأصبت بالدهشة لأن إجابتها الواضحة والصريحة جاءت وكأنها كانت معنا أو استمعت لمقالة رمضان عن الحب والعشق في ظل الشجرة البعيدة عن القرية . لكنني حمدت الله كثيرا عندما اكتشفت أن سبب انزعاج الخالة أن صديقي رمضان يتحدث بكلام الكبار ، وهنا أدركت سر بلاغه رمضان في الحديث وبراعته في التعبير ، لكنني وفي نفس الوقت استحضرت زجر الكبار لنا أحيانا عندما نقترب من مجالسهم في ظلال النخيل ، واكتشفت أن سر زجرهم أو بالأحرى منعنا من الجلوس معهم أو قريبا منهم كان مرده أن الأحاديث التي يخوضون فيها لا ينبغي علينا أن نسمعها لأنها لا تتوافق مع أعمارنا ، ويعد ذلك نوعا من التربية . في تلك اللحظات كانت والدتي تغسل بعض الأواني المنزلية بالقرب من المطبخ وهي تستمع للحوار الدائر بيني وبين خالتي ، فقالت موجهة حديثها للخالة : هو دا ذاتو مقصرّ ، في إشارة إلي فصاحتي وبداهتي في الحديث . في هذه اللحظة سمعت طرقا بالباب ، وأسرعت بفتح الباب الخشبي الكبير وهو يحدث صريرا (صوت احتكاك الأخشاب مع بعضها من ثقلها ) . فوجدت الطارقة امرأة وقد اندفعت إلي داخل البيت بسرعة غير أبهة بمن فتح لها الباب وقالت لخالتي : فاطمة عائشة أراب تعبانه والناس متلمين هنالك . انزعجت الخالة والوالدة لهذا النبأ فلبسن الجرجار بسرعة وحملت خالتي طفلتها وأغلقت الباب ثم نزعت المفتاح الخشبي ودفنته في الرمال قريبا من عتبة الباب ، وأسرعن في المشي وهن يرددن يا الله أستر ، سترك يا رب . فاطمة عائشة أراب ، وهذا لقبها هي تلك المرأة التي سألتني في وقت سابق عن السنة الدراسية التي أدرس بها وعن أسماء رئيسي مصر والسودان وتربطنا بها صلة رحم .

وصلنا بيت فاطمة عائشة ، ووجدناها تتألم وتصدر أنينا لا ينقطع وحولها عدد كبير من النسوة كلهن يرتدين الجرجار الأسود . شد ما أزعجني واثأر في نفسي الشفقة أنني عندما رايتها تحثوا التراب بيدها علي بطنها في مكان الألم ، داهمتني شفقة شديدة وحزن دفين خرج من أعماقي لتوه ليفتح لي بابا ما كنت أحسب أنني سأضطر لفتحه يوما ما بعد رحيل جدتي عن الدنيا قبل سنوات مضت . كم كان منظرا مؤلما وكل الحضور ينتظرون حولها دون حديث حتى بهمسة . أين الطبيب ؟ أين المساعد الطبي ؟ لماذا لا تأخذونها للمستشفي ؟ فنظرن اليّ مليا ، واقتربت إحداهن مني قائلة لي ، أصمت ، علاجنا هنا علاج بلدي ، لا نعرف الطبيب ولا التطبيب ومرضها شيء عادي ولسوف تنشط إذا كان لها في العمر بقية . قالتها هذه المرأة وكم تألمت لقولها الخشن الفظ . وعلمت بعد ذلك أنها قابلة القرية ولها باع طويل في العلاج البلدي الذي يسمي في وقتنا الحاضر (الطب البديل) . كنت في غاية السرور عندما أحضروا حمارا لحملها إلي فرس لعلاجها في الشفخانة ، ولكنهن كن متشائمات من الحمار ، ويقولون أن الذي يقع من ظهر الحمار تتكسر عظامه بينما من يقع عن ظهر البعير لا يصيبه أذي ، ولا أدري حقيقة ذلك ولكنها قولة مشهورة ومتواترة بين النوبيين . قامت بعض النسوة برفع فاطمة عائشة من الأرض بمساعدة الرجال ، ورفعوها فوق سرج الحمار ثم توجهوا بها صوب الحدود قاصدين شفخانة (فرس) والرجال يسندونها وبعض النسوة يسرن في الخلف . أما نحن فقد عدنا إلي بيت خالتنا إلي أن تعود فاطمة عائشة من الشفخانة متعافية . ونواصل إنشاء الله
سيد ابكر..............

حكايات من الماضي البعيد (15) :

حكايات من الماضي البعيد (15) :
بشريات الوالدة التي سكبتها في أذني بأننا سنعود إلي موطننا في أرقين ، لم تعد تهمتي كثيرا . كلما مرّ بنا يوم في هذه القرية الصغيرة الهادئة ، كانت علاقاتي تتوثق أكثر فأكثر مع الصبي المدعو رمضان لدرجة أنه كان يصارحني بكل أسراره دون وجل . كنا أطفالا بحكم أعمارنا وحجم أجسادنا ، ولكننا كنا كبارا بأفكارنا ومداركنا . كنا نتعلم من الطبيعة حقيقة الأشياء والكائنات استنباطا . ونقتبس من كبارنا كرائم الخصال
والأخلاق بالمشاهدة والتقليد . ونختزن الحكم والعبر من أحاجي جداتنا وأمهاتنا . ثم بعد ذلك يأتي دور معلمينا ومدارسنا لتصقيل معارفنا ومفاهيمنا وقيمنا التي ورثناها أو اقتبسناها لتصقلها لنا المدرسة ومدرسينا بالوسائل العلمية الأكثر تطورا في زماننا . كل ما تعلمتاه بالسجية كانت تترسخ في عقولنا عندما نقارنها بمختلف العلوم المكتسبة من المدرسة خصوصا أثناء حصص الدين ، عندما يشرح لنا الأساتذة آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية . كان المعلم نفسه ، يجد منا التقدير لدرجة الخوف . فإذا سلكنا طريقا ووجدنا أستاذنا يسير في نفس الطريق كنا نترك الشارع لنسلك طريقا آخر . وإذا حضر الأساتذة مناسبة فرح وزواج في بيوتنا كنا نختفي عن أنظارهم إجلالا واحتراما لمقاماتهم السامقة . كانت هذه هي معتقداتي التي حملتها بين جوانحي عندما وصلت إلي قرية (ويسي) لزيارة خالتنا في النوبة المصرية شمال (فرس) . كانت الأيام في ويسي تسير بنا الهوينا الي أن تعرفت بهذا الصبي المدعو رمضان الذي سلب لبي وعقلي بمعارفه وثقافته الغزيرة . توالي الأيام كانت كفيلة بمعالجة وكشف الكثير من الأمور ، بعضها أعرفها وبعضها أجهلها تماما . ذات يوم ونحن نتجاذب أطراف الحديث في ظل شجرة عند أطراف القرية ، طلب رمضان من بقية الصبية أن يقوموا بسوق الأغنام إلي المنطقة القريبة منا حتى تكون قيد المراقبة . وتلك لم تكن حجته ولكنه أراد بذلك أن يصرف الصبية ليبوح لي بسر ظل يكتمه في صدره ثم أقبل اليّ بكلياته قائلا ، أخي أنا متيم بفتاة في هذه القرية ومغرم بها إلي حد العشق فماذا ترى في أمري ؟ نزلت عليّ كلماته مثل صاعقة مرسلة ، اهتز لها كياني وتشتت أفكاري وتمزق وجداني من هول ما صرّح به . تظاهرت بالهدوء وثبات جناني وقلت له : كيف تقول ذلك وهي ابنة قريتك والأولي بك أن تصونها بدلا من عشقها . فرد عليّ قائلا ، العشق ليس حراما أيها الأرقيني المسكين ، إنما هو شعور ينبع من قلب إلي آخر ويظل مشتركا بين شخصين ، وأنا لم أقابلها ولم أتحدث معها ، لكنني أتصنع المشاوير إلي جيرانها ، وأمر أمام منزلها ، وأتصور وأتحين المناسبات لأراها ، وانتظر خروجها لورود الماء في النهر عند الأصيل ، وأحمل في جيبي حفنة من تراب أقدامها أضعها في صدري عندما آوي إلي فراشي في الليل . لأول مرة استسلم للهزيمة أمام هذا العبقريّ وأزداد إعجابي به وبقدراته التعبيرية وهو في ذلك العمر المبكر . قلت له : أين تعلمت كل هذا الفن من الحديث ، ومن ساعدك فيه ؟ أجابني بلغة بليغة (الدنيا بتهينك والزمان يوريك ، وقل المال يفرقك من بنات واديك) ، وأضاف قائلا : عش للحب وإن لم تعرفه أسال عنه أهله ، وعندما تعود إلي بلدتك أرقين تذكر ما قلته لك ، أما أنا فلسوف تسمع عني كل ما يسرك في حياتك أيها الصديق . ما أن انتهي هذا الصبي العبقريّ من حديثه حتى انكمشت علي نفسي خجلا من قدري أمام هذا الصبي العملاق وأقسمت أن أكون مثله واقتدي به ، وبعدما عدت إلي أرقين حال بيننا الهجرة المشئومة ولم اسمع عنه شيئا ولا دريت ماذا فعلت به الأيام منذ لقائنا ذاك إلي يومنا هذا . ونواصل إنشاء الله
سيد ابكر ........
حكايات من الماضي البعيد (14) :
كنت مشدوها بحكاوي رمضان ، ومعلوماته الثرة عن القرى والبلدات النوبية في الأراضي المصرية ، وكان الحديث ينساب من فيّه وكأنه شلالات ماء منهمر . في تلك اللحظة مرت بنا باخرة ركاب بيضاء اللون متجه شمالا ومكتوب في أعلي سطحها اسم (هكسوس) . استرعي انتباهي هذا الاسم الذي لم يكن معهودا لدينا نحن الأطفال كنا نجرى لضفة النهر كلما مرت بضفافنا باخرة ركاب شمالا أو جنوبا بين وادي حلفا والشلال ، وأحيانا لم نكن نفارق ضفة النيل ، ونظل نجلس تحت ظلال النخيل أو أشجار السنط وأغنامنا ترعي علي نباتات السعدة وترتوى من مياه النيل ، وأحيانا كنا نمارس السباحة ونصطاد الأسماك ونساعد ذوينا عند زراعتهم لأراضي الجروف . عندما تمر بنا البواخر ، كان من العادة أ ن يلوّح لنا ركابها بالأيدي في رواحهم وعند عودتهم من مصر . انتهزت مرور الباخرة (هكسوس) وأردت أن استعرض لرمضان ورفاقه بعض معلوماتي عن (كنيات) البواخر السودانية العاملة بين حلفا والشلال فشرعت أذكرها : الباخرة المريخ ، وعطارد ‘ وقطبي ، والثريا ، لكنه سارع بتلقيني درسا آخر بذكر البواخر المصرية ، كرسكو ، الأقصر وهكسوس ، وبواخر أخرى كانت تسمي (دلتا) مخصصة لنقل البضائع ، وأخرى كانت مخصصة لنقل المواشي بين السودان ومصر ، وكان معلوما لدينا أن الأخيرة كانت سريعة تثير الأمواج العالية عند إبحارها شمالا أو جنوبا ولذلك كانوا يستخدمونها لإخراج جثمامين الغرقى .
أما المراكب الشراعية ، لم أرها طيلة أيام وجودي معهم إلا نادرا ، ذلك لأن هذه المنطقة كانت الرياح الشمالية هي السائدة فيها والتي تساعد المراكب علي الإبحار جنوبا ، بينما كانت (ويسي وأدندان) تشكلان آخر القرى في حدود مصر مع السودان ، ولذلك فهم في حاجة للإبحار شمالا عكس الرياح ، وأحيانا تنعدم الرياح كليا مما يضطرهم إلي جرّ اللبان ( طيّ شراع المركب وشخص أو شخصان يجران المركب بربط الحبال في وسط الجسم ويسيران علي الشاطئ حتى الجهة المقصودة ) . أما في وقت الفيضان (الدميرة) فيزداد تيار النهر شمالا مع كثرة الدوامات التي كانت تسمي باللغة النوبية (شيمة) ، وهي ظاهرة غريبة ومخيفة في نفس الوقت تدور فيها المياه حول نفسها بسرعة شديدة في مكان واحد مهددة المراكب الشراعية . أما مسارالنهر في المنطقة التي كنا فيها وتضم (ويسي) و(بلانه) و(أدندان) بالشرق , كان النهر يتخذ مسارا يتجه إلي الشمال الشرقي ، وطبيعة الأرض في هذه المناطق كانت سهلية بتكويناتها الرملية الكثيفة وتشكل امتدادا طبيعيا لقرى فرس شرق وغرب السودانية .


سألت رمضان ، في أي سنة دراسية هو ؟ فأجابني قائلا : في خامسة ابتدائي ، سألته مستغربا ما معني ابتدائي ؟ فضحكوا جميعا وقالوا ماذا تسمونها عندكم ؟ قلت لهم نسميها الأولية . قالوا ، هنا ندرس ستة سنوات في الإبتدائي ثم نمتحن للمرحلة الإعدادية . فأدركت أن نظام التعليم المصري يختلف عن نظامنا التعليمي فقمنا من تحت الشجرة الظليلة وقد اكتسبت معارف جديدة لم تكن تخطر ببالي . سرنا علي ضفة النهر فصادفتني نبتة كنا نسميها بالنوبية (تنوم) وباللغة العربية تسمي (الدمسيس) ، فملت عليها وقطفت شيئا قليلا من أوراقها الشبيهة بشجرة الطماطم ووجهت لهم سؤالا ، أتعلمون فيم تستخدم هذه النبتة ، فضحكوا جميعا وهم يرددون : لا يستخدم في شيء . قلت لهم ، وقد شعرت هذه المرة بأنني أصبحت سيد الموقف والمبادرة بيدي ، هذه النبتة تعالج أمراض كثيرة في الجسم وأمراض البطن بصفة خاصة وأهمها مرض (الدوسنتاريا) . فوقفوا مشدوهين غير مصدقين ، فقلت لهم أسألوا عنها كباركم وسوف تعلمون حقيقة ما فلته لكم ، وبعدها بقليل انتصف النهار وعدنا بأغنامنا للقرية . ونواصل إنشاء الله

سيد ابكر .............
حكايات من الماضي البعيد (13) :
الإحساس بالغربة في بلاد النوبيين يعتريك في الوهلة الأولي ، وبعد التحية والسلام والسؤال عن الحال والأحوال يزول ذلك الشعور تلقائيا ، وتجد نفسك وقد أصبحت واحدا منهم في القرية أو في الحيّ السكني . طمأنتني والدتي بأننا لن نذهب إلي ابوسمبل لزيارة الخالة شفوقة لأن والدي في حاجة إلينا في ارقين . فهو رجل يكسب رزقه بعرق جبينه رزق اليوم باليوم من خلال ما يجده من عائدات المركب ويقتسمها مع صاحبها . في الأيام التي يقل فيها عمل المركب بسبب كساد سوق المحاصيل التي تنقل للمدينة ، يعمل والدي في قطع أشجار الأثل أو السنط ويشققها بعد أن تجف وينقلها لأصحاب المخابز في المدينة ، لذلك فهو يحتاج إلي من يساعده بالماء والزاد والشاي في مكان عمله ، وأنا ذلك الولد الذي يحمل له كل هذه الأشياء عندما يكون مشغولا في المناطق البعيدة من المنزل .

في ذلك الصباح استأذنت والدتي لمرافقة صبايا القرية في رحلات رعي الأغنام ، وبعد شراب شاي الصباح انتظرت حتى جاءوا لسوق أغنام خالتي فاصطحبتهم وهم مسرورين بتلك الرفقة . رمضان ، كان أكبر المجموعة سنا ، بادر بالتعرف بي عن قرب وحكي لي أن والده يعمل في مصر مثل سائر النوبيين ويسكن في (بولاق الدكرور) ، ما عرفت معني بولاق الدكرور ولكنه فسرها لي بأنها حي من أحياء القاهرة في مصر تقطنها الطبقات الفقيرة من السكان خصوصا النوبيين الذين يعملون هناك . عندما سمعت منه هذه المعلومات تذكرت بعض أهلنا من أرقين في مصر يسكن أكثرهم في عابدين حسب ما كنت أسمع أثناء ونساتهم عندما يحضرون في إجازاتهم السنوية ، وخطر لي بأن ناس أرقين يسكنون الأحياء الراقية بالمقارنة مع بولاق الدكرور . وصلنا إلي مكان المرعي ولم نشعر بالمسافة ولا بصوت الأغنام والمعيز اثناء سيرنا لأن رمضان شغلني بأحاديثه الشيقة عن مصر التي زارها مرارا لرؤية والده . جلسنا ومعنا بقية الصبيان الذين كانوا يحدقون في وجهي تحت شجرة ظليلة بينما تركنا الأغنام والمعيز ترعي لوحدها ، ومن حديثه وجدته يحفظ القرى والبلدات من (ويسي) إلي أسوان عن ظهر قلب ، فانتهزتها فرصة لأتعرف علي أبو سمبل من صبي خبير بالمنطقة ، فطفق يحكي لنا وأنا متعجب من كثرة معلوماته فقال : من هنا وشرقنا أدندان نبدأ شمالا ، وصار يعدد لي : ويسي بالغرب وادندان بالشرق ، قسطل وبلانة وابو سمبل وأرمنا وقد نطقها (أرمندا) ، وتوشكي شرق وغرب ، ومصمص والشباك والجنينة ، عنيبة وابريم والجزيرة ، وقتة وعافية وتوماس ، وتنقالة والدر ، الديوان وأبو حنضل ، الريقة وكرسكو شرق وغرب ، ووادي العرب إلي أن وصل بي أبو هور وكلابشة ودهميت ودابود وأسوان . أزداد إعجابي برمضان لمعرفته بكل هذه القرى والبلدات وغيرها ولم يتجاوز عمره العشرة سنوات وكان يكبرني بسنتين أو ثلاثة سنوات فقط ، ولكنه حقيقة ظل مثار إعجابي لزمان طويل وكنت أتذكره بجلبابه الأخضر المخطط ولونه القمحي حتى بعد عودتنا إلي أرقين بزمان . ونواصل إنشاء الله
سيد ابكر................
حكايات من الماضي البعيد (12) :
صرخة الوالدة في وجهي في تلك الليلة أعادتني إلي رشدي وانتزعتني من أحلام الطفولة الناعمة إلي خشونة الشاب الناضج المشبّع بالمسئولية الكاملة تجاه تفاصيل الحياة برمتها ، شرها وخيرها . ما كان لي أن أطاوع نفسي وأتمادى في أسئلتي السخيفة عن الخالة التي ظهرت لمخيلتي فجأة ودون مقدمات . لكنني مع كل تلك الأحاسيس والمشاعر الفظة ، شعرت وكأنني استفدت من التجربة واستوعبتها فورا وأدخلتها في قواميس حياتي واكتشفت أن الحساسية المفرطة التي اكتسحت جوانحي مثل طوفان النيل في بلادي قد تكون مضرة لي في مستقبل أيامي . ولقد اكتشفت في مراحل متقدمة أن الحساسية المفرطة تجلب للمرء الحياء المبالغ فيه حتى في الأشياء العادية التي تقابل الإنسان في رحلة الحياة مما يجعله انطوائيا رغما عن أنف طبعه . وبينما كان ضوء القمر ينساب إلي فناء البيت ، وعلي جرائد النخلة الوحيدة التي تتأرجح مع النسيم في وسط الحوش ، ابتعدت بسريري بعيد عن الوالدة والخالة وطفلتها ، لأنني كنت في حاجة إلي الاختلاء بنفسي للتفكر في هذه القضايا التي أرّقتني .
أويت إلي سريري في تلك الليلة وأنا أفكر في الرحلة الإجبارية إلي أبو سمبل ، من أين تبدأ وأين تنتهي ؟ وكيف هي ؟ وكيف الوصول إليها ، بالمراكب الشراعية أم بالباخرة . مجموعة من الأسئلة اختزنتها إلي حين يصبح الصباح ، وقد قررت مسبقا أن أرافق صبيان القرية في مشاوير رعي الأغنام علني اغرف منهم الكثير من الإجابة علي هذه التساؤلات . في الصباح نهضت باكرا علي غير العادة ، ووجدت مزاجي علي غير ما كان عليه في الليل وتبخرت أفكاري عن المسئولية وعن الحساسية مع الظلام عندما انفلق الصباح ، وأيقنت أنها كانت خواطر لردود فعل عابرة كان ينبغي أن أتعامل معها ببساطة بدلا من الانسياق وراء خيالات لم تكن واقعية ، وشعرت أنني ظلمت والدتي بظني أنها باتت تكرهني . خرجت من البيت لأواري خجلي ، وجلست في مسطبة البيت انتظارا لصبيان القرية لأذهب معهم إلي المراعي علني بذلك أنسي بعض غبائي وأخفف ثقل تأنيب الضمير الذي يكاد يقتلع جذوري من الأرض . وفجأة سمعت صوت الوالدة وهي علي عتبة الباب تناديني مستفسرة عن سبب جلوسي في الخارج ، ولم أقو علي إجابتها وقمت من مكاني إلي حيث تقف فوضعت يدها علي رأسي تمسح بها شعر رأسي وأنا أكاد أزرف الدموع من فرط إحساسي بحنانها ، وقالت لي هامسة لن نذهب إلي أبو سمبل ، سوف اعتذر لأختي زينب إن والدك ينتظرنا في أرقين وفي حاجة ماسة إلي وجودنا معه . ونواصل انشاء الله.

..سيد ابكر ..........
حكايات من الماضي البعيد (11) :
بعد قضاء جل اليوم في الغيط كما يقال للحقل هنا في النوبة المصرية ، عدنا إلي بيت خالتنا في منتصف النهار ، وأجلس الآن في فناء البيت بالقرب من النخلة الوحيدة والوقت ما بعد صلاة المغرب . الرملة ا لمفروشة في الحوش يختلف لونها عن الرمال البيضاء التي نراها في أطراف الصحراء في بلاد النوبة . عادة ما تجدد رملة الحوش وتليّس حوائط المنزل وجدران الغرف من جديد عندما تقترب المناسبات السعيدة كالأفراح ، أو عند عودة رب الأسرة من مقر عمله في مصر في إجازته السنوية . الخالة والوالدة كانتا في المطبخ ( ديوي شا ) يعدان وجبة العشاء علي ضوء البُكُّول (*) ورائحة العدس تفوح في الحوش . جاءت الخالة وهي تحمل في يدها لمبة زجاجية صغيرة كان يسمونها (السهارة) فوضعتها بالقرب مني ثم قالت : ( أقنتو دنيا شوشيان أنقري أوكا تيقوس ) ، هكذا نصحتني الخالة ، بمعني الدنيا مشوشة ن أيّ يوجد هواء يحرك الهوام مثل العقارب وغيرها ، لذلك أجلس علي السرير . والسرير الذي تعنيه الخالة مصنوع من أخشاب طولية يسمي (المريق) وخشبتين عرضيتين اقل طولا من الأخريات . وفي الأخشاب الطولية توجد مجاري عرضها بوصة واحدة يرص فيها جريد النخل بطريقة بديعة بعد تشذيبها بدلا عن الحبال . 

في النوبة ، أنسب وقت يتجاذب فيه الناس أطراف الحديث هو ، أثناء جلسة تناول الطعام . تبيّنت يومها أن كثيرا ما الأشياء تحدث علي غير ما نتوقعها ، وبدون أن تكون لنا أدني فكرة عنها ، وعندما تقع مثل هذه الأحداث نسميها المفاجأة ، والمفاجأة قد تكون سعيدة وقد تكون محزنة . كنت قد نويت في سري أن نستأذن الخالة في الرحيل والعودة إلي ارقين التي أوحشتني طيلة بقائي هنا في (ويسي) . وبدون مقدمات وجهت الخالة حديثها للوالدة ، إن زوجها عابدون قد علم بوجودنا هنا ويستفسر إن كان والدي بإمكانه أن يقيل عرضا للعمل في مصر لأنه وجد له خانة عمل في القاهرة . فأجابت الوالدة بأن ابن خالة والدي محمد صالح الذي يعيش مع أسرته في مصر سبق أن جاءه في البيت لاصطحابه معه ، إلا أنه رفض قائلا : إنني خلقت لأجل أرقين ورفض العرض ولذلك لا أعتقد أنه سيقبل عرضا جديدا . قالت الخالة إنشاء الله لما تعودوا شاوريه مرة أخرى وأفيدونا بالرد ، فأجابتها الوالدة وهي غير مقتنعة إنشاء الله .
عندما سمعت ذلك الحوار بينهن ، كبر والدي في نظري ، لأنه وقبل ذلك رفض الحياة في البندر في بيوت والده بمدينة عطبرة حيّ المربعات شارع كسلا ، رفض حياة الترف والعيش هناك مع أ خوانه وأخواته من الزوجة الثانية لأبيه وهو في الثامنة من عمره ، وأصرّ علي العودة إلي أرقين مسقط رأسه مع والدته ليعيش كل عمره وسط نخيل جده من والدته في (أشاون إركي) . انتهزت تلك الفرصة الذهبية وقلت لأمي ، يو يو ، ألا يكفي ما قضيناها من أيام مع الخالة ، الم يحن وقت عودتنا لأرقين ؟ فانتهرتني الخالة قائلة : أنت كرهتنا ومتى جئت لتعود . قلت لها ، لا يا خالة والله ما كرهتكم بل أعجبت بالحياة عندكم لكنني مشتاق للأصدقاء والصحاب وأيام المدرسة . قالت ، أولا ، أنت وأمك وأنا ، سوف نتحرك بعد يومين إلي أبو سمبل لزيارة أختنا شفوقة ، ولكي لا تصاب بالملل سوف أحدث لك أولاد القرية ليتعرفوا بك ويصاحبوك طيلة ما أنت معنا في (ويسي) . أصبت بالذهول حينما سمعت تلك الكلمات ، أولا لقد فوجئت تماما بوجود خالة أخري أسمها شفوقة تعيش في مكان أبعد من المكان الذي نقيم فيه الآن ، ثانيا ، لأنني وضعت نفسي في موقف حرج عندما أحسست بأن الخالة تعتقد أنني عاجز عن إقامة علاقات مع من هم في سني في قريتهم ، لقد جرحت هذه الكلمة كبريائي لأنني من أشقي الأولاد في أرقين ، والأمر لم يكن كما اعتقدت الخالة بمثل ذلك السوء ، ولكنني فضلت عدم التعرف عليهم باعتبار أن مدتنا لن تطول إلي هذا الحد . ولكي استجمع بعض كرامتي المهدرة ، أردت الالتفاف حول الموضوع متصنّعا ومتسائلا من هي شفوقة ، وأين تقع أبو سميبل ؟ نجحت خطتي عندما ردت الخالة ، خالتك شفوقة صادق ، عندك خالة ثانية اسمها شفوقة صادق ، وأبو سمبل ليست بعيدة من هنا وطالما وصلتم ويسي ، ينبغي ألا تعودوا الا بعد زيارتها وتكملوا الجميل . أردت التمادي أكثر ، فقلت لها ولماذا لا تأتي هي إلي (ويسي) ، فصرخت الوالدة في وجهي صرخة مزقت سكون الليل قائلة لي ، اسكت يا لميض . ونواصل أنشاء الله
(*) البكول علبة أي علبة يلحّم غطاؤها وتثبت في منتصفها ماسورة صغيرة من نفس المعدن ويوضع فيها شريط من القماش بعد ملء العلبة بالكيروسين ، ويشعل الشريط للإنارة .

..سيد ابكر ..........