حكايات من الماضي البعيد (12) :
صرخة الوالدة في وجهي في تلك الليلة أعادتني إلي رشدي وانتزعتني من أحلام الطفولة الناعمة إلي خشونة الشاب الناضج المشبّع بالمسئولية الكاملة تجاه تفاصيل الحياة برمتها ، شرها وخيرها . ما كان لي أن أطاوع نفسي وأتمادى في أسئلتي السخيفة عن الخالة التي ظهرت لمخيلتي فجأة ودون مقدمات . لكنني مع كل تلك الأحاسيس والمشاعر الفظة ، شعرت وكأنني استفدت من التجربة واستوعبتها فورا وأدخلتها في قواميس حياتي واكتشفت أن الحساسية المفرطة التي اكتسحت جوانحي مثل طوفان النيل في بلادي قد تكون مضرة لي في مستقبل أيامي . ولقد اكتشفت في مراحل متقدمة أن الحساسية المفرطة تجلب للمرء الحياء المبالغ فيه حتى في الأشياء العادية التي تقابل الإنسان في رحلة الحياة مما يجعله انطوائيا رغما عن أنف طبعه . وبينما كان ضوء القمر ينساب إلي فناء البيت ، وعلي جرائد النخلة الوحيدة التي تتأرجح مع النسيم في وسط الحوش ، ابتعدت بسريري بعيد عن الوالدة والخالة وطفلتها ، لأنني كنت في حاجة إلي الاختلاء بنفسي للتفكر في هذه القضايا التي أرّقتني .
أويت إلي سريري في تلك الليلة وأنا أفكر في الرحلة الإجبارية إلي أبو سمبل ، من أين تبدأ وأين تنتهي ؟ وكيف هي ؟ وكيف الوصول إليها ، بالمراكب الشراعية أم بالباخرة . مجموعة من الأسئلة اختزنتها إلي حين يصبح الصباح ، وقد قررت مسبقا أن أرافق صبيان القرية في مشاوير رعي الأغنام علني اغرف منهم الكثير من الإجابة علي هذه التساؤلات . في الصباح نهضت باكرا علي غير العادة ، ووجدت مزاجي علي غير ما كان عليه في الليل وتبخرت أفكاري عن المسئولية وعن الحساسية مع الظلام عندما انفلق الصباح ، وأيقنت أنها كانت خواطر لردود فعل عابرة كان ينبغي أن أتعامل معها ببساطة بدلا من الانسياق وراء خيالات لم تكن واقعية ، وشعرت أنني ظلمت والدتي بظني أنها باتت تكرهني . خرجت من البيت لأواري خجلي ، وجلست في مسطبة البيت انتظارا لصبيان القرية لأذهب معهم إلي المراعي علني بذلك أنسي بعض غبائي وأخفف ثقل تأنيب الضمير الذي يكاد يقتلع جذوري من الأرض . وفجأة سمعت صوت الوالدة وهي علي عتبة الباب تناديني مستفسرة عن سبب جلوسي في الخارج ، ولم أقو علي إجابتها وقمت من مكاني إلي حيث تقف فوضعت يدها علي رأسي تمسح بها شعر رأسي وأنا أكاد أزرف الدموع من فرط إحساسي بحنانها ، وقالت لي هامسة لن نذهب إلي أبو سمبل ، سوف اعتذر لأختي زينب إن والدك ينتظرنا في أرقين وفي حاجة ماسة إلي وجودنا معه . ونواصل انشاء الله.
..سيد ابكر ..........
صرخة الوالدة في وجهي في تلك الليلة أعادتني إلي رشدي وانتزعتني من أحلام الطفولة الناعمة إلي خشونة الشاب الناضج المشبّع بالمسئولية الكاملة تجاه تفاصيل الحياة برمتها ، شرها وخيرها . ما كان لي أن أطاوع نفسي وأتمادى في أسئلتي السخيفة عن الخالة التي ظهرت لمخيلتي فجأة ودون مقدمات . لكنني مع كل تلك الأحاسيس والمشاعر الفظة ، شعرت وكأنني استفدت من التجربة واستوعبتها فورا وأدخلتها في قواميس حياتي واكتشفت أن الحساسية المفرطة التي اكتسحت جوانحي مثل طوفان النيل في بلادي قد تكون مضرة لي في مستقبل أيامي . ولقد اكتشفت في مراحل متقدمة أن الحساسية المفرطة تجلب للمرء الحياء المبالغ فيه حتى في الأشياء العادية التي تقابل الإنسان في رحلة الحياة مما يجعله انطوائيا رغما عن أنف طبعه . وبينما كان ضوء القمر ينساب إلي فناء البيت ، وعلي جرائد النخلة الوحيدة التي تتأرجح مع النسيم في وسط الحوش ، ابتعدت بسريري بعيد عن الوالدة والخالة وطفلتها ، لأنني كنت في حاجة إلي الاختلاء بنفسي للتفكر في هذه القضايا التي أرّقتني .
أويت إلي سريري في تلك الليلة وأنا أفكر في الرحلة الإجبارية إلي أبو سمبل ، من أين تبدأ وأين تنتهي ؟ وكيف هي ؟ وكيف الوصول إليها ، بالمراكب الشراعية أم بالباخرة . مجموعة من الأسئلة اختزنتها إلي حين يصبح الصباح ، وقد قررت مسبقا أن أرافق صبيان القرية في مشاوير رعي الأغنام علني اغرف منهم الكثير من الإجابة علي هذه التساؤلات . في الصباح نهضت باكرا علي غير العادة ، ووجدت مزاجي علي غير ما كان عليه في الليل وتبخرت أفكاري عن المسئولية وعن الحساسية مع الظلام عندما انفلق الصباح ، وأيقنت أنها كانت خواطر لردود فعل عابرة كان ينبغي أن أتعامل معها ببساطة بدلا من الانسياق وراء خيالات لم تكن واقعية ، وشعرت أنني ظلمت والدتي بظني أنها باتت تكرهني . خرجت من البيت لأواري خجلي ، وجلست في مسطبة البيت انتظارا لصبيان القرية لأذهب معهم إلي المراعي علني بذلك أنسي بعض غبائي وأخفف ثقل تأنيب الضمير الذي يكاد يقتلع جذوري من الأرض . وفجأة سمعت صوت الوالدة وهي علي عتبة الباب تناديني مستفسرة عن سبب جلوسي في الخارج ، ولم أقو علي إجابتها وقمت من مكاني إلي حيث تقف فوضعت يدها علي رأسي تمسح بها شعر رأسي وأنا أكاد أزرف الدموع من فرط إحساسي بحنانها ، وقالت لي هامسة لن نذهب إلي أبو سمبل ، سوف اعتذر لأختي زينب إن والدك ينتظرنا في أرقين وفي حاجة ماسة إلي وجودنا معه . ونواصل انشاء الله.
..سيد ابكر ..........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق